لما وقع في آية أخرى مقيدا به لوجوب حمل المطلق على المقيد كما قاله الشهيد الثاني في شرح الشرايع لأن الحمل إنما يجب إذا كان بينهما منافاة وليس هنا إذ يجوز تحريم مطلق الدم والمسفوح أيضا وكذا نجاستها نعم يصلح ذلك عند من يقول بمفهوم الوصف لوجود المنافات حينئذ أو يقال إنه حصر المحرم في الآية المتقدمة في الدم المسفوح، فلا يكون غيره حراما، ولكن الظاهر أن هذا الحصر غير مراد وأنه حصر لما وجد في ذلك الوقت، فإن صدرها " قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا ".
نعم قد استثنى الأصحاب ما بقي في المذبوح بعد الذبح، وخروج ما يمكن أن يخرج من الدم، بشرط أن لا يكون بحيث يدخل الدم جوفه، ولعل دليلهم الاجماع والخبر أو الحرج وليس بواضح، نعم يمكن أن يقال لا نسلم فهم العموم من الآية و الأخبار بل مطلق فيحمل على ما هو المحقق، وهو الدم المسفوح، ويبقى الباقي على أصل الحل لكنه لا يخلو عن بعد إذ الظاهر منهما العموم فتدبر.
وقد استثني من تحريم هذه الأشياء الأكل للمضطر حال اضطراره إذا لم يكن باغيا ولا عاديا والاضطرار ما لم يمكن الصبر عليه مثل الجوع والفرق بينه وبين الالجاء أن الالجاء بتوفر الدواعي إلى الفعل من جهة الضر والنفع، وليس الاضطرار كذلك، وأصل البغي الطلب والعدي التعدي فمعناه من اضطر إلى كل هذه المحرمات بل إلى فعل مطلق المحرمات، لعموم اللفظ إلا ما أخرجه الدليل مثل قتل النفس على أي وجه كان الاضطرار، وتلك الضرورة ضرورة سد رمق أو إكراه أو حرج أو غير ذلك من ضرب وشتم لا يمكن تحملها عادة حال كونه غير باغ للذة، ولا عاد أي غير متجاوز عن حد الضرورة " فلا إثم " عليه ولا ذم ولا تحريم عليه، وذكر الغفور والرحيم بعد ذلك كأنه للدلالة على أن الله غفور رحيم لا يضيق على عباده بل يوسع عليهم فكأنه لا يشترط الضرورة الكلية بحيث لا يمكن الحياة بدون فعل الحرام أو أنه إذا فعل حراما ثم تاب يتوب الله عليه " إن الله هو التواب الرحيم " بالرخصة وغيرها.