عقلا ونقلا، وأداؤه إعطاؤه وإيصاله إلى صاحبه، بغير جحود يحتاج إلى الاثبات ولا ينقص منه شيئا، ويعطيه في محله من غير مطل وتسويف، وأراد بالأمانة ما اؤتمن عليه فهو مصدر بمعنى المفعول " وليتق الله ربه " في الخيانة وخلاف أداء الأمانة أو مطلقا في مخالفة الله وفيه مبالغة زائدة.
" ولا تكتموا الشهادة " أيها الشهود عند الأداء وهو إذا ما دعوا، فالمراد هم أو مع من عليه الحق فتكون شهادته على نفسه، ففيه مسامحة ما، أو هو فقط فمسامحته أقل وألصق بما سبق " ومن يكتمها فإنه آثم قلبه " فإن مع اسمه أي الضمير و خبره أي " آثم " و " قلبه " فاعله أو أن قلبه مبتدأ وآثم خبره مقدم والجملة خبر إن خبر فإنه موصول مع صلته مبتدأ ولتضمنه معنى الشرط صح دخول الفاء في خبره، وهو للمبالغة في النهي عن ترك الشهادة، فإنه ما اكتفى بالنهي بل أعاده مرة أخرى بأن من يفعل ذلك يأثم قلبه، وإسناد الإثم إلى القلب لأن الكتمان فعله لأن العزم على الكتمان إنما يقع بالقلب، لأن إضافة الإثم إلى القلب أبلغ في الذم كما أن إضافة الايمان إلى القلب أبلغ في المدح كذا في مجمع البيان " والله بما تعملون " من السر والكتمان وإظهار الحق " عليم " فيجازي الكل بحسب علم يعلمه، ففيه ترغيب وترهيب.
فدلت على وجوب أداء الدين بغير نقص على ما مر، على الذي اؤتمن وترك أخذ الوثيقة منه، ولعل الغرض من ذكره بخصوصه، وشرط الأمانة في ذلك زيادة المبالغة والأولوية وإلا فهو واجب على كل من عليه حق الغير عند الطلب و القدرة إجماعا، ومعلوم هنا أيضا أنه مقيد بهما لذلك ولأنه كان محل الجحود والإنكار، فأراد نفيه بخصوصه تأكيد ومبالغة، ويمكن استفادة أن مجازات المحسن بالإحسان حسن، ويمكن كونه سبب التخصيص فافهم، ويمكن كونه إشارة إلى وجوب أداء كل أمانة إلى صاحبها لا خصوصية له بدين ولا رهن، ولا بالراهن و المرتهن، فيشمل الرهن في الراهن والمرتهن وغيرهما والدين مطلقا، ويحتمل أن يكون المراد إن كان الرهن بيد الراهن اعتمادا من المرتهن عليه وعلى أمانته أو بالعكس، وعلى وجوب التقوى وعلى تحريم كتمان الشهادة.