" والذين صبروا " على الطاعات واجتناب المعاصي مما تكرهه النفس ويخالفه الهواء " ابتغاء وجه ربهم " قيل طلبا لثواب الله وطلبا لمرضاته، وامتثالا لأمره مخلصا لذلك لا لغرض آخر، مثل رياء وسمعة أن يقال ما أصبر فلانا على البلاء وما أحمله، ولئلا يشمت به الأعداء كقول معاوية لحسن بن علي عليه السلام لما عاده في مرضه وقام إليه:
بتجلدي للشامتين أريهم * أني لغيض الدهر لا أتضعضع (1) وأنشد الحسن بن علي عليه السلام بيتا آخر من هذه القصيدة:
وإذا المنية أنشبت أظفارها * رائيت كل تميمة لا تنفع (2) وأشار إليه في المطول. والعجب أن معاوية ما عرف أن الشماتة فيما فعل أكثر لأنه أطهر أنه ضعيف، وإنما تجلد لعدم الشماتة، وفيه عين الشماتة، مع عدم حياء، وأذى حصل له من البيت الثاني. قال في الكشاف: صبروا مطلق فيما يصبر عليه من المصائب في النفوس والأموال ومشاق التكاليف، ابتغاء وجه ربهم لا ليقال ما أصبره وأحمله للنوازل، وأوقره عند الزلازل، ولا لئلا يعاب بالجزع، ولئلا يشمت به الأعداء كقوله بتجلدي للشامتين أريهم، ولا لأنه لا طائل تحت الهلع أي الجزع ولا مرد فيه للفائت، ونقل شعرا:
ثم قال: وكل عمل له وجوه يعمل عليها فعلى المؤمن أن ينوي منها ما به كان حسنا عند الله وإلا لم يستحق به الثواب وكان فعله كلا فعله انتهى. بل قد يكون معاقبا بالفعل بل قد يكون شركا كما قيل في الريا، فالفعل ليس كلا فعله، ففيها دلالة على الترغيب بجميع العبادات والصبر على جميع المصائب، في الأفعال والتروك والأقوال وغيرها، وعلى وجوب النية والاخلاص رزقنا الله وإياكم.
" وأقاموا الصلاة " فعلوها على الوجه المأمور به، وقيل داوموا على فعلها " وأنفقوا في سبيل الله " وجوبا أو ندبا " مما رزقناهم " أي من الحلال الذي يجوز الأرزاق والانفاق منه إذ الحرام ليس كذلك، بل ليس برزق منسوب إلى الله تعالى