ومد العين إلى زهرتهم وذكرهم بما فيه تعظيم لهم، وتأمل قوله " ولا تركنوا " فإن الركون هو الميل اليسير وقوله " إلى الذين ظلموا " أي الذين وجد منهم الظلم، ولم يقل إلى الظالمين.
ثم نقل غشيان الموفق في الصلاة لما قرأ الإمام هذه الآية فيها، وسئل عن سبب الغشيان فقال: إذا كان هذا حال المايل إلى الظالم فكيف به، ونقل أيضا كتابة صديق للزهري إليه لما خالطه السلطان، وبالغ في ذلك من ذمه اختلاط الظالم وذكر أمورا كثيرة منها: عافانا الله وإياك من الفتن، فقد أصبحت بحال ينبغي لمن عرفك أن يدعو لك الله ويرحمك، ومنها وليس كذلك أخذ الله الميثاق على العلماء، ومنها واعلم أن أيسر ما ارتكبت وأخف ما احتملت أنك آنست وحشة الظالم، وسهلت سبيل الغي بدنوك ممن لم يرد حقا ولم يترك باطلا، ومنها فما أيسر ما عمروا لك في جنب ما خربوا عليك، ومنها فداو دينك دخله السقم، و هيئ زادك فقد حضر السفر البعيد، وآخرها " وما يخفى على الله من شئ في الأرض ولا في السماء ".
ثم نقل الأخبار في ذم الاختلاف إلى أبواب الظلمة، قال سفيان: في جهنم واد لا يسكنه إلا القراء الزائرون للملوك، وعن الأوزاعي: ما من شئ أبغض إلى الله في أرضه من عالم يزور ظالما، وعن محمد بن سلمة: الذباب على العذرة أحسن من قارئ على باب هؤلاء، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: من دعا لظالم بالبقاء فقد أحب أن يعصى الله في أرضه، ويؤكد ذلك ما روي عنه صلى الله عليه وآله بطريق العامة والخاصة: كفارة اختلاف أبواب السلطان قضاء حوائج الأخوان.
وكلام الكشاف ظاهر في أن المراد بالظالم هو حاكم الجور، وذلك غير بعيد لأنه المتبادر، ولأن ظلمه أقبح، فلا يبعد كون قباحته واصلا إلى هذه المرتبة، ولما روي من أخبارنا مثل ما ذكر في الفقيه في باب جمل من مناهي النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: من مدح سلطانا جايرا أو تخفف وتضعضع له طمعا فيه، كان قرينه في النار، وقال صلى الله عليه وآله قال الله عز وجل " ولا تركنوا إلى