بل جن، ولم يثبت كون كل ملك معصوما الله يعلم.
" فقولا له قولا لينا " (1) خطاب لموسى وهارون بأن يكلما فرعون ويكلفاه بالايمان بالله، ولكن بقول لين ملائم أي أرفقا به في الدعاء والقول، ولا تغلظا له في ذلك، وقيل معناه كنياه وكنيته أبو الوليد وقيل أبو العباس وقيل أبو المرة، قال في مجمع البيان وفي هذا القول دلالة على وجوب الرفق في الدعاء إلى الله، وفي الأمر بالمعروف، ليكون أسرع إلى القبول، وأبعد من النفور، فلا بعد في دخول التعليم والمباحث العلمية وغيرهما من تعليم الخير فيه، وهو ظاهر وفقنا الله وإياكم لذلك، قال في الكشاف والقول اللين نحو قوله تعالى " هل لك إلى أن تزكى وأهديك إلى ربك فتخشى " لأن ظاهره الاستفهام والمشورة وعرض ما فيه الفوز العظيم، وقيل معناه: عداه شبابا لا هرم من بعده، وملكا لا ينزع منه إلا بالموت، و أن يبقى له لذة المطعم والمشرب والمنكح إلى حين موته، وزاد في مجمع البيان:
وإذا مات دخل الجنة فأعجبه ذلك، وكان لا يقطع أمرا دون هامان وكان غائبا فلما قدم هامان أخبره بالذي دعاه إليه وأنه يريد أن يقبل منه، فقال هامان قد كنت أرى أن لك عقلا وأن لك رأيا! بينا أنت رب وتريد أن تكون مربوبا؟ وبينا أنت تعبد وتريد أن تعبد؟ فقلبه عن رأيه، وفي الواقع صدق هامان لو كان له عقل ما شاوره في هذا الأمر فإن هامان أيضا ليس له عقل.
وقال أيضا في الكشاف وقيل لا تجبهاه بما يكره وألطفا له في القول، لما له من حق تربية موسى، ولما ثبت له من مثل حق الأبوة. والأول أحسن فإن لطفه وكرمه وتأديبه عباده يقتضي الأمر بالتلطف، ولين الكلام، ولأنه أقرب إلى التأثير لا حق له يقضى فتأمل، ثم قال في " لعله " الترجي لهما، أي اذهبا على رجائكما وطمعكما، وباشرا الأمر مباشرة من يرجو ويطمع أن يثمر عمله، ولا يخيب سعيه، فهو يجتهد بطوقه، ويحتشد بأقصى وسعه.
يعلم من هذا الأسلوب من التأديب في دعوته إلى الايمان نهاية شفقته تعالى بعباده وكمال اهتمامه بايمانهم باختيارهم، وخلاصهم من عقابه، وتعبدهم له