إنفاذ الغيظ وترك العمل بمقتضاه بالكظم بالمعنى المذكور إشارة إلى عدم خروج شئ منه أصلا ولو قليلا فإن المطلوب شد رأس القربة بحيث لا يترشح منه شئ أصلا وإلا لم يحصل الغرض، بل ينزل الماء ويبل ما تحته ويخرب فتأمل.
وكذا العفو عن الناس، وهو عدم عقابهم مما يستحقونه بفعلهم، ولكن ينبغي أن يكون بالنسبة إلى نفسه وبحيث لا يؤل إلى إبطال الحدود والتعزيرات الشرعية والتهاون فيها قال في مجمع البيان: روي أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال هؤلاء في أمتي قليل إلا من عصمه الله وقد كانوا كثيرا في الأمم التي مضت، وفيه دليل واضح على أن العفو عن العاصي مرغب فيه، مندوب إليه، وإن لم يكن واجبا وقال النبي صلى الله عليه وآله: ما عفا رجل عن مظلمة قط إلا زاده الله بها عزا " والله يحب المحسنين " والمحسن هو المنعم على غيره، على وجه عار عن وجوه القبح، ويكون المحسن أيضا هو الفاعل للأفعال الحسنة من وجوه الطاعات والقربات (1) ولا يبعد كونه إشارة إلى الموصوفين المذكورين كأنه قال: والله يحبهم فعبر عنهم به، ليدل على كون ذلك حسنا أيضا وعدم الاختصاص بذلك الأوصاف فدل على محبة الله لهم وهو فوق إعداد الجنة لهم.
فدلت الآية على كون التقوى والانفاق وكظم الغيظ والعفو عن الناس و الاحسان الذي يجده العقل وبينه الشرع عبادات وقربات، وكذا المسارعة إليها بمنزلة عظيمة عند الله، وهو ظاهر، ويدل عليه الأخبار ويجده العقل أيضا فيرجى من الله كظم غيظه عن غير الكفار، والعفو عن الناس سواهم، والاحسان إليهم بل الأنفاق عليهم، لأنه إنفاق وكظم وعفو خال عن وجه قبح، فلا يترك مع أمر الناس الضعفاء به وكونها محبوبة عنده.
ثم قال في مجمع البيان مما جاء فيه من الأخبار ما رواه أبو أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من كظم غيظه وهو يقدر على إنفاذه ملأ الله قلبه يوم القيامة رضا، وفي خبر آخر ملأ الله قلبه يوم القيامة أمنا وايمانا، ثم قال: روي أن جارية لعلي