والصوم قيل لغة الامساك وشرعا إمساك شخص مخصوص عن أشياء مخصوصة في زمان مخصوص، ولا يضر الاجمال لأن المقصود هو الإشارة إليه في الجملة، لا بين حقيقته إذ لا يعلم ذلك إلا بعد الإحاطة بشرائط صحته ومفسداته، وهو موكول إلى محله، ووجه ذكر الوجوب على الأمم السابقة تسلية المؤمنين بهذا التكليف فيفهم أنه شاق على النفس لأنه مناف لمشتهاها كما مر، ويفهم أيضا الاهتمام بتوطين النفس على فعله، وحسن قبوله " أياما معدودات " أي المفروض عليكم الصوم في أيام معلومات موقتات كما ستعلمونه أو قلائل، فعامله الصيام المصدر، وإن وجد الفصل، لأن الظرف يكفيه رائحة العامل، فليس ذلك موجبا للذهاب إلى التقدير أي صوموا أياما كما قاله البيضاوي مع أنه موجب للتكرار والثقل على الطبيعة، وكذا قله عمل المصدر المعرف كما قيل، ولم يثبت قول من قال بعدم وجوده في القرآن، على أنه قد يكون المراد العمل في غير الظرف فافهم.
ولعل تلك الأيام شهر رمضان كما سنبين عن قريب إن شاء الله تعالى قال في مجمع البيان وعليه أكثر المفسرين، لا ما وجب ونسخ به وهو عاشورا، وثلاثة أيام من كل شهر كما جوزه البيضاوي إذ جعل مثل هذه الآية منسوخة خلاف الظاهر كثيرا بل لا يجوز النسخ ما لم يتعين، سيما مع بقاء حكم ما بعدها المتفرع عليه وأيضا وجوب ثلاثة أيام على غير النبي صلى الله عليه وآله من المؤمنين غير معلوم وإنما نقل في الكشاف وجوبها عليه فقط وإن نقل في غيره صلى الله عليه وآله وأيضا لا ينافي وجوب رمضان وجوب غيره فلا يصلح نسخا له فتأمل.
ففهم منها وجوب صوم شهر رمضان بانضمام ما، والاهتمام بشأنه، وكونه سببا للتقوى، وعلم أيضا كونه واجبا على غير المريض والمسافر من قوله " فمن كان " أي كل من كان " منكم مريضا " ظاهره مطلق المرض أي مرض كان، وما يصدق عليه المرض عاما كما نقل عن البعض في الكشاف لكن خصه الأصحاب بمرض يضره الصوم إما لعسر برئه وطوله أو زيادته بالأخبار ولعله بالإجماع أيضا والاحتياط، و بالمناسبة العقلية، وبما يفهم من قوله " يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ".