الاخلاص وغيره، أو تعبد واستكانه كما يقول الأنبياء والأولياء عليهم السلام " اللهم اغفر لي " من غير ذنب، بل يظهرون البكاء والخوف العظيم من العقاب والتقصيرات المفرطة والإقرار بالذنوب العظيمة جدا مع عدم شئ منها " ولا تخزنا يوم القيامة " بالعذاب وإدخال النار بأن تعصمنا عما يقتضيه وتوفقنا لما يبعدنا عنه ولا تفعل ذلك بنا " إنك لا تخلف الميعاد " بإثابة المؤمن وإجابة الداعي، بمنزلة دليل على أنه لم يفعل، أي لم تخزنا لأنك وعدت بذلك، وأنت لا تخلف الميعاد، أو أنه خبر بمعنى الدعاء فيكون تأكيدا للعصمة، وقال في مجمع البيان: دعاء بمعنى الخبر فافهم " فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض " يحتمل أن يكون المراد فأجاب دعاءهم وطلبهم بأن الله لا يضيع عمل مؤمن فإنه يثيبه على ذلك، فتدل على أنه لا بد من العمل ومن الايمان معه، وقالوا أي استجاب طلبتهم وأعطاهم مرادهم ومقصودهم، فدلت الآية على أن الدعاء مع تقديم العجز والانقطاع مستجاب قال في الكشاف روي عن جعفر الصادق عليه الصلاة و السلام من حزنه [أي أصابه] أمر فقال خمس مرات ربنا أنجاه الله مما أخاف و أعطاه ما أراد وقرأ هذه الآية، وكأنه يريد ذكر المطلب بعد قول ربنا خمسا قال في مجمع البيان وهذا يتضمن الحث على مواظبة الأدعية التي في الآية المتقدمة والإشارة إلى أنه مما يتعبد الله بها وندب إليها، وذلك يتضمن الإجابة لمن دعا بها انتهى.
ثم إن في تتمة هذه الآيات دلالة على الاستحباب والترغيب العظيم على المهاجرة في سبيل الله وطاعته، والصبر على الأذى في الله وعلى الاخراج عن الديار والأهل، كالصبر على القتل والقتال، فإن ذلك ليس بمخصوص بالمهاجرين معه صلى الله عليه وآله من مكة إلى المدينة لعموم اللفظ قال الله " فالذين هاجروا و أخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثوابا من عند الله والله عنده حسن الثواب " (1)