اختراع هذه الأجرام وإبداع أوضاعها، وما دبر فيها مما يتحير فيه العقول عن إدراك بعض عجائبها كما يظهر بالتأمل خصوصا مع ملاحظة علم الهيئة على عظم شأن الصانع، وكبرياء سلطانه، وصفاته الثبوتية والسلبية، وكمال قدرته التي تعجز عن تخيله العقل فيتحقق أن ليس لها صانعا إلا الله الذي لا إله إلا هو، ولا يشبه شيئا ولا يقدر القادرون قدره. وعن سفيان الثوري أنه صلى خلف المقام ركعتين ثم رفع رأسه إلى السماء فلما رأى الكواكب غشي عليه، وكان يبول الدم من طول حزنه وفكرته.
وفي الآية دلالة على عظم شأن علم أصول الدين وفضله والتفكر في خلق الله مستدلا به على وجود الله وصفاته، حيث جعل كذكر الله ومن لوازم العقل و شرطه على الظاهر، ولهذا روي في أخبار الخاصة والعامة (1) ما يفيد ذلك مثل ما روي عنه صلى الله عليه وآله أنه لا عبادة كالتفكر، وأن ذلك مفيد للعلم ومعلوم شرف العلم بذات الله على غيره من العلوم والأعمال، فإنه شرط للكل، وعنه صلى الله عليه وآله بينما رجل مستلق على فراشه إذ رفع رأسه فنظر إلى النجوم وإلى السماء فقال أشهد أن لك ربا وخالقا اللهم اغفر لي فنظر الله إليه فغفر له، وعن ابن عمر قال قلت لعايشة أخبريني بأعجب ما رأيت من رسول الله صلى الله عليه وآله فبكت وأطالت ثم قالت: كل أمره عجيب أتاني في ليلتي ودخل لحافي حتى ألصق جلده بجلدي ثم قال: يا عايشة هل لك أن تأذن لي الليلة في عبادة ربي؟ فقلت يا رسول الله أني لأحب قربك و أحب هواك، قد أذنت لك. فقام إلى قربة من ماء في البيت فتوضأ ولم يكثر من صب الماء ثم قام يصلي فقرأ من القرآن وجعل يبكي حتى بلغ الدموع حقويه ثم جلس فحمد الله وأثنى عليه وجعل يبكي ثم رفع يديه وجعل يبكي حتى رأيت دموعه قد بلت الأرض فأتاه بلال يؤذنه لصلاة الغداة فرآه يبكي فقال له: يا رسول الله أتبكي؟ وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال يا بلال أفلا أكون عبدا شكورا؟ ثم قال: وما لي لا أبكي وقد أنزل الله علي في هذه الليلة " إن في