لما كانت جهة العلو أشرف من غيرها أضافها إليه إشارة إلى علو الذات والصفات وبنحو هذا أجاب غيره عن الألفاظ الواردة من الفوقية ونحوها قال الراغب فوق يستعمل في المكان والزمان والجسم والعدد والمنزلة والقهر فالأول باعتبار العلو ويقابله تحت نحو قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم والثاني باعتبار الصعود والانحدار نحو إذا جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم والثالث في العدد نحو فان كن نساء فوق اثنتين والرابع في الكبر والصغر كقوله بعوضة فما فوقها والخامس يقع تارة باعتبار الفضيلة الدنيوية نحو ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات أو الأخروية نحو والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة والسادس نحو قوله وهو القاهر فوق عباده يخافون ربهم من فوقهم انتهى ملخصا * الحديث الرابع حديث أبي هريرة ان الله تعالى لما قضى الخلق كتب عنده فوق عرشه ان رحمتي غلبت غضبي وقد تقدم في باب ويحذركم الله نفسه ويأتي بعض الكلام عليه في باب قوله تعالى في لوح محفوظ قال الخطابي المراد بالكتاب أحد شيئين اما القضاء الذي قضاه كقوله تعالى كتب الله لأغلبن انا ورسلي أي قضى ذلك قال ويكون معنى قوله فوق العرش أي عنده علم ذلك فهو لا ينساه ولا يبدله كقوله تعالى في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى واما اللوح المحفوظ الذي فيه ذكر أصناف الخلق وبيان أمورهم وآجالهم وأرزاقهم وأحوالهم ويكون معنى فهو عنده فوق العرش أي ذكره وعلمه وكل ذلك جائز في التخريج على أن العرش خلق مخلوق تحمله الملائكة فلا يستحيل ان يماسوا العرش إذا حملوه وإن كان حامل العرش وحامل حملته هو الله وليس قولنا ان الله على العرش أي مماس له أو متمكن فيه أو متحيز في جهة من جهاته بل هو خبر جاء به التوقيف فقلنا له به ونفينا عنه التكييف إذ ليس كمثله شئ وبالله التوفيق وقوله فوق عرشه صفة الكتاب وقيل إن فوق هنا بمعنى دون كما جاء في قوله تعالى بعوضة فما فوقها وهو بعيد وقال ابن أبي جمرة يؤخذ من كون الكتاب المذكور فوق العرش ان الحكمة اقتضت ان يكون العرش حاملا لما شاء الله من أثر حكمة الله وقدرته وغامض غيبه ليستأثر هو بذلك من طريق العلم والإحاطة فيكون من أكبر الأدلة على انفراده بعلم الغيب قال وقد يكون ذلك تفسيرا لقوله الرحمن على العرش استوى أي ما شاءه من قدرته وهو كتابه الذي وضعه فوق العرش * الحديث الخامس حديث أبي هريرة الذي فيه ان في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين وقد تقدم شرحه في الجهاد مع الكلام على قوله كان حقا على الله وان معناه معنى قوله تعالى كتب ربكم على نفسه الرحمة وليس معناه ان ذلك لازم له لأنه لا آمر له ولا ناهي يوجب عليه ما يلزمه المطالبة به وانما معناه انجاز ما وعد به من الثواب وهو لا يخلف الميعاد واما قوله مائة درجة فليس في سياقه التصريح بان العدد المذكور هو جميع درج الجنة من غير زيادة إذ ليس فيه ما ينفيها ويؤيد ذلك أن في حديث أبي سعيد المرفوع الذي أخرجه أبو داود وصححه الترمذي وابن حبان ويقال لصاحب القرآن اقرأ وأرق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فان منزلك عند آخر آية تقرؤها وعدد أي القرآن أكثر من ستة آلاف ومائتين والخلف فيما زاد على ذلك من الكسور وقوله فيه كل درجتين ما بينهما كما بين السماء والأرض اختلف الخبر الوارد في قدر مسافة ما بين السماء والأرض وذكرت هناك ما ورد في الترمذي انها مائة عام وفي الطبراني خمسمائة ويزاد هنا ما أخرجه ابن خزيمة في التوحيد من صحيحه وابن أبي عاصم في كتاب السنة عن ابن مسعود قال بين
(٣٤٩)