على كل فرد لجواز أن يكون في بعض الاناسي ما في ذلك وزيادة ومنهم من خص الخلاف بصالحي البشر والملائكة ومنهم من خصه بالأنبياء ثم منهم من فضل الملائكة على غير الأنبياء ومنهم من فضلهم على الأنبياء أيضا الا على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ومن أدلة تفضيل النبي على الملك أن الله أمر الملائكة بالسجود لآدم على سبيل التكريم له حتى قال إبليس أرأيتك هذا الذي كرمت علي ومنها قوله تعالى لما خلقت بيدي لما فيه من الإشارة إلى العناية به ولم يثبت ذلك للملائكة ومنها قوله تعالى ان الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ومنها قوله تعالى وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض فدخل في عمومه الملائكة والمسخر له أفضل من المسخر ولان طاعة الملائكة بأصل الخلقة وطاعة البشر غالبا مع المجاهدة للنفس لما طبعت عليه من الشهوة والحرص والهوى والغضب فكانت عبادتهم أشق وأيضا فطاعة الملائكة بالامر الوارد عليهم وطاعة البشر بالنص تارة وبالاجتهاد تارة والاستنباط تارة فكانت أشق ولان الملائكة سلمت من وسوسة الشياطين والقاء الشبه والاغواء الجائزة على البشر ولان الملائكة تشاهد حقائق الملكوت والبشر لا يعرفون ذلك الا بالأعلام فلا يسلم منهم من إدخال الشبهة من جهة تدبير الكواكب وحركة الأفلاك الا الثابت على دينه ولا يتم ذلك الا بمشقة شديدة ومجاهدات كثيرة واما أدلة الآخرين فقد قيل إن حديث الباب أقوى ما استدل به لذلك للتصريح بقوله فيه في ملا خير منهم والمراد بهم الملائكة حتى قال بعض الغلاة في ذلك وكم من ذاكر لله في ملا فيهم محمد صلى الله عليه وسلم ذكرهم الله في ملا خير منهم وأجاب بعض أهل السنة بأن الخبر المذكور ليس نصا ولا صريحا يحافى المراد بل يطرقه احتمال ان يكون المراد بالملا الذين هم خير من الملا الذاكر الأنبياء والشهداء فإنهم أحياء عند ربهم فلم ينحصر ذلك في الملائكة وأجاب آخر وهو أقوى من الأول بأن الخيرية انما حصلت بالذاكر والملا معا فالجانب الذي فيه رب العزة خير من الجانب الذي ليس هو فيه بلا ارتياب فالخيرية حصلت بالنسبة للمجموع على المجموع وهذا الجواب ظهر لي وظننت انه مبتكر ثم رأيته في كلام القاضي كمال الدين بن الزملكاني في الجزء الذي جمعه في الرفيق الاعلى فقال إن الله قابل ذكر العبد في نفسه بذكره له في نفسه وقابل ذكر العبد في الملا بذكره في الملا فإنما صار الذكر في الملا الثاني خيرا من الذكر الأول لان الله هو الذاكر فيهم والملاء الذين يذكرون والله فيهم أفضل من الملا الذين يذكرون وليس الله فيهم ومن أدلة المعتزلة تقديم الملائكة في الذكر في قوله تعالى من كان عدوا لله وملائكته ورسله شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس وتعقب بأن مجرد التقديم في الذكر لا يستلزم التفضيل لأنه لم ينحصر فيه بل له أسباب أخرى كالتقديم بالزمان في مثل قوله ومنك ومن نوح وإبراهيم فقدم نوحا على إبراهيم لتقدم زمان نوح مع أن إبراهيم أفضل ومنها قوله تعالى لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون وبالغ الزمخشري فادعى ان دلالتها لهذا المطلوب قطعية بالنسبة لعلم المعاني فقال في قوله تعالى ولا الملائكة المقربون أي ولا من هو أعلى قدرا من المسيح وهم الملائكة الكروبيون الذين حول العرش كجبريل وميكائيل وإسرافيل قال ولا يقتضي علم المعاني غير هذا من حيث أن الكلام انما سيق للرد على النصارى لغلوهم في المسيح فقيل لهم لن يترفع المسيح عن العبودية
(٣٢٧)