وكان حينئذ لم يظهر الاسلام كما هو بين من سياق الحديث وظاهر في آخره ثم ذكر حديث العباس بن عبد المطلب قال يا رسول الله هل نفعت أبا طالب بشئ وقد تقدم شرحه في الترجمة النبوية قبيل الاسراء وكأنه أراد بإيراده الأول لأنه من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم وهذا سمعه وأقره قال النووي في الاذكار بعد أن قرر أنه لا تجوز تكنية الكافر الا بشرطين ذكرهما وقد تكرر في الحديث ذكر أبي طالب واسمه عبد مناف وقال الله تعالى تبت يدا أبي لهب ثم ذكر الحديث الثاني وقوله فيه أبو حباب قال ومحل ذلك إذا وجد فيه الشرط وهو أن لا يعرف إلا بكنيته أو خيف من ذكر اسمه فتنة ثم قال وقد كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هرقل فسماه باسمه ولم يكنه ولا لقبه بلقبه وهو قيصر وقد أمرنا بالاغلاظ عليهم فلا نكنيهم ولا نلين لهم قولا ولا نظهر لهم ودا وقد تعقب كلامه بأنه لا حصر فيما ذكر بل قصة عبد الله بن أبي في ذكره بكنيته دون اسمه وهو باسمه أشهر ليس لخوف الفتنة فإن الذي ذكر بذلك عنده كان قويا في الاسلام فلا يخشى معه أن لو ذكر عبد الله باسمه أن يجر بذلك فتنة وإنما هو محمول على التألف كما جزم به ابن بطال فقال فيه جواز تكنية المشركين على وجه التألف إما رجاء إسلامهم أو لتحصيل منفعة منهم وأما تكنية أبي طالب فالظاهر أنه من القبيل الأول وهو اشتهاره بكنيته دون اسمه وأما تكنية أبي لهب فقد أشار النووي في شرحه إلى احتمال رابع وهو اجتناب نسبته إلى عبودية الصنم لأنه كان اسمه عبد العزى وهذا سبق إليه ثعلب ونقله عنه ابن بطال وقال غيره إنما ذكر بكنيته دون اسمه للإشارة إلى أنه سيصلى نارا ذات لهب قيل وإن تكنيته بذلك من جهة التجنيس لان ذلك من جملة البلاغة أو للمجازاة أشير إلى أن الذي نفخر به في الدنيا من الجمال والولد كان سببا في خزيه وعقابه وحكى ابن بطال عن أبي عبد الله بن أبي زمنين أنه قال كان اسم أبي لهب عبد العزي وكنيته أبو عتبة وأما أبو لهب فلقب لقب به لان وجهه كان يتلألأ ويلتهب جمالا قال فهو لقب وليس بكنية وتعقب بأن ذلك يقوي الاشكال الأول لان اللقب إذا لم يكن على وجه الذم للكافر لم يصلح من المسلم وأما قول الزمخشري هذه التكنية ليست للاكرام بل للإهانة إذ هي كناية عن الجهنمي إذ معناه تبت يدا الجهنمي فهو متعقب لان الكنية لا نظر فيها إلى مدلول اللفظ بل الاسم إذا صدر بأم أو أب فهو كنية سلمنا لكن اللهب لا يختص بجهنم وإنما المعتمد ما قاله غيره أن النكتة في ذكره بكنيته أنه لما علم الله تعالى أن ماله إلى النار ذات اللهب ووافقت كنيته حاله حسن أن يذكر بها وأما ما استشهد به النووي من الكتاب إلى هرقل فقد وقع في نفس الكتاب ذكره بعظيم الروم وهو مشعر بالتعظيم واللقب لغير العرب كالكنى للعرب وقد قال النووي في موضع آخر فرع إذا كتب إلى مشرك كتابا وكتب فيه سلاما أو نحوه فينبغي أن يكتب كما كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل فذكر الكتاب وفيه عظيم الروم وهذا ظاهره التناقض وقد جمع أبي رحمه الله في نكت له على الاذكار بأن قوله عظيم الروم صفة لازمة لهرقل فإنه عظيمهم فاكتفى به صلى الله عليه وسلم عن قوله ملك الروم فإنه لو كتبها لأمكن هرقل أن يتمسك بها في أنه أقره على المملكة قال ولا يرد مثل ذلك في قوله تعالى حكاية عن صاحب مصر وقال الملك لأنه حكاية عن أمر مضى وانقضى بخلاف هرقل انتهى وينبغي أن يضم إليه أن ذكر عظيم الروم والعدول عن ملك الروم حيث كان لا بد له من صفة تميزه عند الاقتصار على اسمه لان من يتسمى بهرقل كثير فقيل عظيم الروم ليميز عمن يتسمى بهرقل فعلى
(٤٨٩)