في فائدة تتبع طرق الحديث فمن ذلك الخروج من خلاف من شرط في قبول الخبر أن تتعدد طرقه فقيل لاثنين وقيل لثلاثة وقيل لأربعة وقيل حتى يستحق اسم الشهرة فكان في جميع الطرق ما يحصل المقصود لكل أحد غالبا وفي جميع الطرق أيضا ومعرفة من رواها وكميتها العلم بمراتب الرواة في الكثرة والقلة وفيها الاطلاع على علة الخبر بانكشاف غلط الغالط وبيان تدليس المدلس وتوصيل المعنعن ثم قال وفيما يسره الله تعالى من جمع طرق هذا الحديث واستنباط فوائده ما يحصل به التمييز بين أهل الفهم في النقل وغيرهم ممن لا يهتدي لتحصيل ذلك مع أن العين المستنبط منها واحدة ولكن من عجائب اللطيف الخبير أنها تسقى بماء واحد وتفضل بعضها على بعض في الاكل هذا آخر كلامه ملخصا وقد سبق إلى التنبيه على فوائد قصة أبي عمير بخصوصها من القدماء أبو حاتم الرازي أحد أئمة الحديث وشيوخ أصحاب السنن ثم تلاه الترمذي في الشمائل ثم تلاه الخطابي وجميع ما ذكروه يقرب من عشرة فوائد فقط وقد ساق شيخنا في شرح الترمذي ما ذكره ابن القاص بتمامه ثم قال ومن هذه الأوجه ما هو واضح ومنها الخفي ومنها المتعسف قال والفوائد التي ذكرها آخرا وأكمل بها الستين هي من فائدة جمع طرق الحديث لا من خصوص هذا الحديث وقد بقي من فوائد هذا الحديث أن بعض المالكية والخطابي من الشافعية استدلوا به على أن صيد المدينة لا يحرم وتعقب باحتمال ما قاله ابن القاص أنه صيد في الحل ثم أدخل الحرم فلذلك أبيح إمساكه وبهذا أجاب مالك في المدونة ونقله ابن المنذر عن أحمد والكوفيين ولا يلزم منه أن حرم المدينة لا يحرم صيده وأجاب ابن التين بأن ذلك كان قبل تحريم صيد حرم المدينة وعكسه بعض الحنفية فقال قصة أبي عمير تدل على نسخ الخبر الدال على تحريم صيد المدينة وكلا القولين متعقب وما أجاب به ابن القاص من مخاطبة من لا يميز التحقيق فيه جواز مواجهته بالخطاب إذا فهم الخطاب وكان في ذلك فائدة ولو بالتأنيس له وكذا في تعليمه الحكم الشرعي عند قصد تمرينه عليه من الصغر كما في قصة الحسن بن علي لما وضع التمرة في فيه قال له كخ كخ أما علمت أنا لا نأكل الصدقة كما تقدم بسطه في موضعه ويجوز أيضا مطلقا إذا كان القصد بذلك خطاب من حضر أو استفهامه ممن يعقل وكثيرا ما يقال للصغير الذي لا يفهم أصلا إذا كان ظاهر الوعك كيف أنت والمراد سؤال كالفه أو حامله وذكر ابن بطال من فوائد هذا الحديث أيضا استحباب النضح فيما لم يتيقن طهارته وفيه أن أسماء الاعلام لا يقصد معانيها وأن إطلاقها على المسمى لا يستلزم الكذب لان الصبي لم يكن أبا وقد دعي أبا عمير وفيه جواز السجع في الكلام إذا لم يكن متكلفا وأن ذلك لا يمتنع من النبي كما امتنع منه إنشاء الشعر وفيه إتحاف الزائر بصنيع ما يعرف أنه يعجبه من مأكول أو غيره وفيه جواز الرواية بالمعنى لان القصة واحدة وقد جاءت بألفاظ مختلفة وفيه جواز الاقتصار على بعض الحديث وجواز الاتيان به تارة مطولا وتارة ملخصا وجميع ذلك يحتمل أن يكون من أنس ويحتمل أن يكون ممن بعده والذي يظهر أن بعض ذلك منه والكثير منه ممن بعده وذلك يظهر من اتحاد المخارج واختلافها وفيه مسح رأس الصغير للملاطفة وفيه دعاء الشخص بتصغير اسمه عند عدم الايذاء وفيه جواز السؤال عما السائل به عالم لقولوه ما فعل النغير بعد علمه بأنه مات وفيه إكرام أقارب الخادم وإظهار المحبة لهم لان جميع ما ذكر من صنيع النبي صلى الله عليه وسلم مع أم سليم وذويها كان غالبه بواسطة خدمة
(٤٨٣)