عجزه عما كان تعاطاه ومبالغة في توبيخه وبيان قبح فعله وقوله ليس بنافخ أي لا يمكنه ذلك فيكون معذبا دائما وقد تقدم في باب عذاب المصورين من حديث ابن عمر أنه يقال للمصورين أحيوا ما خلقتم وأنه أمر تعجيز وقد استشكل هذا الوعيد في حق المسلم فإن وعيد القاتل عمدا ينقطع عند أهل السنة مع ورود تخليده بحمل التخليد على مدة مديدة وهذا الوعيد أشد منه لأنه مغيا بما لا يمكن وهو نفخ الروح فلا يصح أن يحمل على أن المراد أنه يعذب زمانا طويلا ثم يتخلص والجواب أنه يتعين تأويل الحديث على أن المراد به الزجر الشديد بالوعيد بعقاب الكافر ليكون أبلغ في الارتداع وظاهره غير مراد وهذا في حق العاصي بذلك وأما من فعله مستحلا فلا إشكال فيه واستدل به على أن أفعال العباد مخلوقة لله تعالى للحوق الوعيد بمن تشبه بالخالق فدل على أن غير الله ليس بخالق حقيقة وقد أجاب بعضهم بأن الوعيد وقع على خلق الجواهر ورد بأن الوعيد لاحق باعتبار الشكل والهيئة وليس بذلك بجوهر وأما استثناء غير ذي الروح فورد مورد الرخصة كما قررته وفي قوله كلف يوم القيامة رد على من زعم أن الآخرة ليست بدار تكليف وأجيب بأن المراد بالنفي أنها ليست بدار تكليف بعمل يترتب عليه ثواب أو عقاب وأما مثل هذا التكليف فليس بممتنع لأنه نفسه عذاب وهو نظير الحديث الآخر من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها نفسه يوم القيامة وسيأتي في موضعه وأيضا فالتكليف بالعمل في الدنيا حسن على مصطلح أهل علم الكلام بخلاف هذا التكليف الذي هو عذاب واستدل به على جواز التكليف بما لا يطاق والجواب ما تقدم وأيضا فنفخ الروح في الجماد قد ورد معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم فهو يمكن وإن كان في وقوعه خرق عادة والحق أنه خطاب تعجيز لا تكليف كما تقدم والله أعلم وقد تقدم في باب بيع التصاوير في أواخر البيوع زيادة سعيد بن أبي الحسن في روايته أن ابن عباس قال للرجل ويحك إن أبيت إلا أن تصنع فعليك بهذا الشجر الحديث مع ضبط لفظه وإعرابه واستدل به على جواز تصوير ما لا روح له من شجر أو شمس أو قمر ونقل الشيخ أبو محمد الجويني وجها بالمنع لان من الكفار من عبدها (قلت) ولا يلزم من تعذيب من يصور ما فيه روح بما ذكر تجويز تصوير ما لا روح فيه فإن عموم قوله الذين يضاهون بخلق الله وقوله ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي يتناول ما فيه روح وما لا روح فيه فإن خص ما فيه روح بالمعنى من جهة أنه مما لم تجر عادة الآدميين بصنعته وجرت عادتهم بغرس الأشجار مثلا أمتنع ذلك في مثل تصوير الشمس والقمر ويتأكد المنع بما عبد من دون الله فإنه يضاهي صورة الأصنام التي هي الأصل في منع التصوير وقد قيد مجاهد صاحب ابن عباس جواز تصوير الشجر بما لا يثمر وأما ما يثمر فألحقه بما له روح قال عياض لم يقله أحد غير مجاهد ورده الطحاوي بأن الصورة لما أبيحت بعد قطع رأسها التي لو قطعت من ذي الروح لما عاش دل ذلك على إباحة ما لا روح له أصلا (قلت) وقضيته أن تجويز تصوير ما له روح بجميع أعضائه إلا الرأس فيه نظر لا يخفى وأظن مجاهدا سمع حديث أبي هريرة الماضي ففيه فليخلقوا ذرة وليخلقوا شعيرة فإن في ذكر الذرة إشارة إلى ماله روح وفي ذكر الشعيرة إشارة إلى ما ينبت مما يؤكل وأما ما لا روح فيه ولا يثمر فلا تقع الإشارة إليه ويقابل هذا التشديد ما حكاه أبو محمد الجويني أن نسج الصورة في الثوب لا يمتنع لأنه قد يلبس وطرده المتولي في التصوير على الأرض ونحوها وصحح النووي تحريم جميع ذلك قال
(٣٣١)