عن عبيد الله لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فذكره مرسلا وكذا أرسله مالك حيث أخرجه في الموطأ عن زياد بن سعد عن الزهري ولم يذكر من فوقه (قوله كان يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر) فيه في رواية معمر وكان إذا شك في أمر لم يؤمر فيه بشئ صنع ما يصنع أهل الكتاب (قوله وكان أهل الكتاب يسدلون أشعارهم) بسكون السين وكسر الدال المهملتين أي يرسلونها (قوله وكان المشركون يفرقون) هو بسكون الفاء وضم الراء وقد شددها بعضهم حكاه عياض قال والتخفيف أشهر وكذا في قوله ثم فرق الأشهر فيه التخفيف وكأن السر في ذلك أن أهل الأوثان أبعد عن الايمان من أهل الكتاب ولان أهل الكتاب يتمسكون بشريعة في الجملة فكان يحب موافقتهم ليتألفهم ولو أدت موافقتهم إلى مخالفة أهل الأوثان فلما أسلم أهل الأوثان الذين معه والذين حوله واستمر أهل الكتاب على كفرهم تمحضت المخالفة لأهل الكتاب (قوله ثم فرق بعد) في رواية معمر ثم أمر بالفرق ففرق وكان الفرق آخر الامرين ومما يشبه الفرق والسدل صبغ الشعر وتركه كما تقدم ومنها صوم عاشوراء ثم أمر بنوع مخالفة لهم فيه بصوم يوم قبله أو بعده ومنها استقبال القبلة ومخالفتهم في مخالطة الحائض حتى قال اصنعوا كل شئ الا الجماع فقالوا ما يدع من أمرنا شيئا إلا خالفنا فيه وقد تقدم بيانه في كتاب الحيض وهذا الذي استقر عليه الامر ومنها ما يظهر لي النهي عن صوم يوم السبت وقد جاء ذلك من طرق متعددة في النسائي وغيره وصرح أبو داود بأنه منسوخ وناسخه حديث أم سلمة أنه صلى الله عليه وسلم كان يصوم يوم السبت والاحد يتحرى ذلك ويقول أنهما يوما عيد الكفار وأنا أحب أن أخالفهم وفي لفظ ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كان أكثر صيامه السبت والاحد أخرجه أحمد والنسائي وأشار بقوله يوما عيد إلى أن يوم السبت عيد عند اليهود والاحد عيد عند النصارى وأيام العيد لا تصام فخالفهم بصيامه ويستفاد من هذا أن الذي قاله بعض الشافعية من كراهة إفراد السبت وكذا الاحد ليس جيدا بل الأولى في المحافظة على ذلك يوم الجمعة كما ورد الحديث الصحيح فيه وأما السبت والاحد فالأولى أن يصاما معا وفرادى امتثالا لعموم الامر بمخالفة أهل الكتاب قال عياض سدل الشعر إرساله يقال سدل شعره وأسدله إذا أرسله ولم يضم جوانبه وكذا الثوب والفرق تفريق الشعر بعضه من بعض وكشفه عن الجبين قال والفرق سنة لأنه الذي استقر عليه الحال والذي يظهر أن ذلك وقع بوحي لقول الراوي في أول الحديث إنه كان يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشئ فالظاهر أنه فرق بأمر من الله حتى ادعى بعضهم فيه النسخ ومنع السدل واتخاذ الناصية وحكى ذلك عن عمر بن عبد العزيز وتعقبه القرطبي بأن الظاهر أن الذي كان صلى الله عليه وسلم يفعله إنما هو لأجل استئلافهم فلما لم ينجع فيهم أحب مخالفتهم فكانت مستحبة لا واجبة عليه وقول الراوي فيما لم يؤمر فيه بشئ أي لم يطلب منه والطلب يشمل الوجوب والندب وأما توهم النسخ في هذا فليس بشئ لامكان الجمع بل يحتمل أن لا يكون الموافقة والمخالفة حكما شرعيا إلا من جهة المصلحة قال ولو كان السدل منسوخا لصار إليه الصحابة أو أكثرهم والمنقول عنهم أن منهم من كان يفرق ومنهم من كان يسدل ولم يعب بعضهم على بعض وقد صح أنه كانت له صلى الله عليه وسلم لمة فإن انفرقت فرقها وإلا تركها فالصحيح أن الفرق مستحب لا واجب وهو قول مالك والجمهور (قلت) وقد جزم الحازمي بأن السدل نسخ بالفرق واستدل برواية معمر
(٣٠٥)