كما يحب ربنا ويرضى ففيه من حسن التفويض إلى الله تعالى ما هو الغاية في القصد (قوله من المتكلم) زاد رفاعة بن يحيى في الصلاة فلم يتكلم أحد ثم قالها الثانية فلم يتكلم أحد ثم قالها الثالثة فقال رفاعة بن رافع أنا قال كيف قلت فذكره فقال والذي نفسي بيده الحديث (قوله بضعة وثلاثين) فيه رد على من زعم كالجوهري أن البضع يختص بما دون العشرين (قوله أيهم يكتبها أول) في رواية رفاعة بن يحيى المذكورة أيهم يصعد بها أول وللطبراني من حديث أبي أيوب أيهم يرفعها قال السهيلي روى أول بالضم على البناء لأنه ظرف قطع من الإضافة وبالنصب على الحال انتهى وأما أيهم فرويناه بالرفع وهو مبتدأ وخبره يكتبها قاله الطيبي وغيره تبعا لأبي البقاء في إعراب قوله تعالى يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم قال وهو في موضع نصب والعامل فيه ما دل عليه يلقون وأي استفهامية والتقدير مقول فيهم أيهم يكتبها ويجوز في أيهم النصب بان يقدر المحذوف فينظرون أيهم وعند سيبويه أي موصولة والتقدير يبتدرون الذي هو يكتبها أول وأنكر جماعة من البصريين ذلك ولا تعارض بين روايتي يكتبها ويصعد بها لأنه يحمل على أنهم يكتبونها ثم يصعدون بها والظاهر أن هؤلاء الملائكة غير الحفظة ويؤيده ما في الصحيحين عن أبي هريرة مرفوعا أن لله ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر الحديث واستدل به على أن بعض الطاعات قد يكتبها غير الحفظة وقد استشكل تأخير رفاعة إجابة النبي صلى الله عليه وسلم حين كرر سؤاله ثلاثا مع أن إجابته واجبة عليه بل وعلى كل من سمع رفاعة فإنه لم يسأل المتكلم وحده وأجيب بأنه لما لم يعين واحدا بعينه لم تتعين المبادرة بالجواب من المتكلم ولا من واحد بعينه فكأنهم انتظروا بعضهم ليجيب وحملهم على ذلك خشية أن يبدو في حقه شئ ظنا منهم أنه أخطأ فيما فعل ورجوا أن يقع العفو عنه وكأنه صلى الله عليه وسلم لما رأى سكوتهم فهم ذلك فعرفهم أنه لم يقل بأسا ويدل على ذلك أن في رواية سعيد بن عبد الجبار عن رفاعة بن يحيى عند ابن قانع قال رفاعة فوددت أني خرجت من مالي وأنى لم أشهد مع النبي صلى الله عليه وسلم تلك الصلاة ولأبي داود من حديث عامر بن ربيعة قال من القائل الكلمة فإنه لم يقل بأسا فقال أنا قلتها لم أرد بها إلا خيرا وللطبراني من حديث أبي أيوب فسكت الرجل ورأى أنه قد هجم من رسول الله صلى الله عليه وسلم على شئ كرهه فقال من هو فإنه لم يقل إلا صوابا فقال الرجل أنا يا رسول الله قلتها أرجو بها الخير ويحتمل أيضا أن يكون المصلون لم يعرفوه بعينه إما لاقبالهم على صلاتهم وإما لكونه في آخر الصفوف فلا يرد السؤال في حقهم والعذر عنه هو ما قدمناه والحكمة في سؤاله صلى الله عليه وسلم له عمن قال أن يتعلم السامعون كلامه فيقولوا مثله واستدل به على جواز إحداث ذكر في الصلاة غير مأثور إذا كان غير مخالف للمأثور وعلى جواز رفع الصوت بالذكر ما لم يشوش على من معه وعلى أن العاطس في الصلاة يحمد الله بغير كراهة وأن المتلبس بالصلاة لا يتعين عليه تشميت العاطس وعلى تطويل الاعتدال بالذكر كما سيأتي البحث فيه في الباب الذي بعده واستنبط منه ابن بطال جواز رفع الصوت بالتبليغ خلف الإمام وتعقبه الزين بن المنير بأن سماعه صلى الله عليه وسلم لصوت الرجل لا يستلزم رفعه صوته كرفع صوت المبلغ وفي هذا التعقب نظر لأن غرض ابن بطال إثبات جواز الرفع في الجملة وقد سبقه إليه ابن عبد البر واستدل له بإجماعهم على أن الكلام الأجنبي يبطل عمده الصلاة ولو كان سرا قال
(٢٣٨)