برؤه فحينئذ يصلون خلفه قعودا ثانيتهما إذا ابتدأ الإمام الراتب قائما لزم المأمومين أن يصلوا خلفه قياما سواء طرأ ما يقتضى صلاة إمامهم قاعدا أم ألا كما في الأحاديث التي في مرض موت النبي صلى الله عليه وسلم فإن تقريره لهم على القيام دل على أنه لا يلزمهم الجلوس في تلك الحالة لأن أبا بكر ابتدأ الصلاة بهم قائما وصلوا معه قياما بخلاف الحالة الأولى فإنه صلى الله عليه وسلم ابتدأ الصلاة جالسا فلما صلوا خلفه قياما أنكر عليهم ويقوى هذا الجمع أن الأصل عدم النسخ لا سيما وهو في هذه الحالة يستلزم دعوى النسخ مرتين لأن الأصل في حكم القادر على القيام أن لا يصلي قاعدا وقد نسخ إلى القعود في حق من صلى إمامه قاعدا فدعوى نسخ القعود بعد ذلك تقتضي وقوع النسخ مرتين وهو بعيد وأبعد منه ما تقدم عن نقل عياض فإنه يقتضى وقوع النسخ ثلاث مرات وقد قال بقول أحمد جماعة من محدثي الشافعية كابن خزيمة وابن المنذر وابن حبان وأجابوا عن حديث الباب بأجوبة أخرى منها قول ابن خزيمة إن الأحاديث التي وردت بأمر المأموم أن يصلي قاعدا تبعا لإمامه لم يختلف في صحتها ولا في سياقها وأما صلاته صلى الله عليه وسلم قاعدا فاختلف فيها هل كان إماما أو مأموما قال وما لم يختلف فيه لا ينبغي تركه لمختلف فيه وأجيب بدفع الاختلاف والحمل على أنه كان إماما مرة ومأموما أخرى ومنها أن بعضهم جمع بين القصتين بأن الأمر بالجلوس كان للندب وتقريره قيامهم خلفه كان لبيان الجواز فعلى هذا الأمر من أم قاعدا لعذر تخير من صلى خلفه بين القعود والقيام والقعود أولى لثبوت الأمر بالائتمام والاتباع وكثرة الأحاديث الواردة في ذلك وأجاب ابن خزيمة عن استبعاد من استبعد ذلك بان الأمر قد صدر من النبي صلى الله عليه وسلم بذلك واستمر عليه عمل الصحابة في حياته وبعده فروى عبد الرزاق بإسناد صحيح عن قيس بن قهد بفتح القاف وسكون الهاء الأنصاري أن إماما لهم اشتكى لهم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فكان يؤمنا وهو جالس ونحن جلوس وروى ابن المنذر بإسناد صحيح عن أسيد بن حضير أنه كان يؤم قومه فاشتكى فخرج إليهم بعد شكواه فأمروه أن يصلي بهم فقال إني لا أستطيع أن أصلى قائما فاقعدوا فصلى بهم قاعدا وهم قعود وروى أبو داود من وجه آخر عن أسيد بن حضير أنه قال يا رسول الله إن إمامنا مريض قال إذا صلى قاعدا فصلوا قعودا وفي إسناده انقطاع وروى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن جابر أنه اشتكى فحضرت الصلاة فصلى بهم جالسا وصلوا معه جلوسا وعن أبي هريرة أنه أفتى بذلك وإسناده صحيح أيضا وقد ألزم ابن المنذر من قال بأن الصحابي أعلم بتأويل ما روى بان يقول بذلك لأن أبا هريرة وجابرا رويا الأمر المذكور واستمر على العمل به والفتيا بعد النبي صلى الله عليه وسلم ويلزم ذلك من قال إن الصحابي إذا روى وعمل بخلافة أن العبرة بما عمل من باب الأولى لأنه هنا عمل بوفق ما روى وقد ادعى ابن حبان الإجماع على العمل به وكأنه أراد السكوتي لأنه حكاه عن أربعة من الصحابة الذين تقدم ذكرهم وقال إنه لا يحفظ عن أحد من الصحابة غيرهم القول بخلافه لا عن طريق صحيح ولا ضعيف وكذا قال ابن حزم إنه لا يحفظ عن أحد من الصحابة خلاف ذلك ثم نازع فثبوت كون الصحابة صلوا خلفه صلى الله عليه وسلم وهو قاعد قياما غير أبي بكر قال لأن ذلك لم يرد صريحا وأطال في ذلك بما لا طائل فيه والذي ادعى نفيه قد أثبته الشافعي وقال إنه في رواية إبراهيم عن الأسود عن عائشة ثم وجدته مصرحا به أيضا في
(١٤٧)