لأمير المؤمنين: " أوغرت صدورنا وشتت أمورنا "؟ قال طارق: نعم أنا قائلها، قال: والله ما ذاك كما قلت! إن صدورنا له لسامعة وإن أمورنا له لجامعة، فغضب طارق وقال: ستعلم يا أشتر أنه غير ما قلت! فلما جنه الليل همس هو والنجاشي إلى معاوية.
فلما قدما عليه دخل آذنه فأخبره بقدومهما، وعنده وجوه أهل الشام، منهم: عمرو بن مرة الجهني، وعمرو بن صيفي، وغيرهما.
فلما دخلا نظر معاوية إلى طارق، وقال: مرحبا بالمورق غصنه المعرق أصله والمسود غير المسود، من رجل كانت منه هفوة ونبوة، باتباعه صاحب الفتنة ورأس الضلالة والشبهة الذي اغترز في ركاب الفتنة حتى استوى على رحالها، ثم أوجف في عشوة ظلمتها وتيه ضلالتها، وأتبعه رجرجة من الناس وأشابة من الحثالة لا أفئدة لهم " أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها ".
فقام طارق، فقال: يا معاوية، إني متكلم فلا يسخطك، ثم قال وهو متكئ على سيفه: إن المحمود على كل حال رب علا فوق عباده، فهم منه بمنظر ومسمع، بعث فيهم رسولا منهم يتلو كتابا لم يكن من قبله ولا يخطه بيمينه إذا لارتاب المبطلون، فعليه السلام من رسول كان بالمؤمنين برا رحيما.
أما بعد، فإن ما كنا نوضع فيما أوضعنا فيه بين يدي إمام تقي عادل مع رجال من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله أتقياء مرشدين، ما زالوا منارا للهدى ومعالم للدين، خلفا عن سلف مهتدين، أهل دين لا دنيا، كل الخير فيهم، وأتبعهم من الناس ملوك وأقيال وأهل بيوتات وشرف ليسوا بناكثين ولا قاسطين، فلم يكن رغبة من رغب من صحبتهم إلا لمرارة الحق حيث جرعوها، ولو عورته حيث سلكوها، وغلبت عليهم دنيا مؤثرة وهوى متبع، وكان أمر الله قدرا مقدورا، وقد فارق الإسلام قبلنا جبلة بن الأيهم فرارا من الضيم وأنفا من الذلة، فلا تفخرن يا معاوية! إن شددنا نحوك الرحال وأوضعنا إليك