قلت: أفيرى الأمير أن يعفيني من ذلك؟ قال: لا بد منه. ثم أمر بنطع فبسط، وبالسياف فأحضر، وقال: أحضروا الشيخ، فأتوا به، فإذا هو يحيى بن يعمر! فاغتممت غما شديدا، وقلت في نفسي: وأي شئ يقوله يحيى مما يوجب قتله؟.
فقال له الحجاج: أنت تزعم أنك زعيم العراق؟! قال يحيى: أنا فقيه من فقهاء العراق. قال: فمن أي فقهك زعمت أن الحسن والحسين من ذرية رسول الله؟ قال: ما أنا زاعم ذلك، بل قائله بحق. قال: وبأي حق قلته؟ قال:
بكتاب الله عز وجل. فنظر إلي الحجاج وقال: اسمع ما يقول! فإن هذا مما لم أكن سمعته عنه، أتعرف أنت في كتاب الله عز وجل أن الحسن والحسين من ذرية محمد رسول الله صلى الله عليه وآله؟ فجعلت أفكر في ذلك، فلم أجد في القرآن شيئا يدل على ذلك. وفكر الحجاج مليا، ثم قال ليحيى: لعلك تريد قول الله تعالى: " فمن حاجك من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين ". وأن رسول الله صلى الله عليه وآله خرج للمباهلة ومعه علي وفاطمة والحسن والحسين؟
قال الشعبي: فكأنما أهدى إلى قلبي سرورا، وقلت في نفسي: قد خلص يحيى. وكان الحجاج حافظا للقرآن، فقال له يحيى: والله إنها لحجة في ذلك بليغة، ولكن ليس منها أحتج لما قلت، فاصفر وجه الحجاج وأطرق مليا، ثم رفع رأسه إلى يحيى وقال له: إن أنت جئت من كتاب الله بغيرها في ذلك فلك عشرة آلاف درهم، وإن لم تأت بها فأنا في حل من دمك، قال: نعم.
قال الشعبي: فغمني قوله، وقلت: أما كان في الذي نزع به الحجاج ما يحتج به يحيى ويرضيه بأنه قد عرفه وسبقه إليه وتخلص منه حتى رد عليه وأفحمه؟
فإن جاءه بعد هذا بشئ لم آمن أن يدخل عليه فيه من القول ما يبطل به حجته