فلما سمع ذلك بنو أمية قالوا: ما أنصفتنا يا أمير المؤمنين! إذ جعلت الحكم إلى غيرنا ونحن من لحمتك وأولي رحمك، فقال عمر: اسكتوا! أعجزا ولؤما؟
عرضت ذلك عليكم آنفا فما انتدبتم له. قالوا: لأنك لم تعطنا ما أعطيت العقيلي ولا حكمتنا كما حكمته، فقال عمر: إن كان أصاب وأخطأتم وحزم وعجزتم وأبصر وعميتم، فما ذنب عمر لا أبالكم! أتدرون ما مثلكم؟ قالوا: لا ندري، قال: لكن العقيلي يدري. ثم قال: ما تقول يا رجل؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين!
كما قال الأول:
دعيتم إلى عمر فلما عجزتم * تناوله من لا يداخله عجز فلما رأيتم رأيتم ذاك أبدت نفوسكم * نداما، وهل يغني من الحذر الحرز؟
فقال عمر: أحسنت وأصبت! فقل ما سألتك عنه، قال: يا أمير المؤمنين! بر قسمه ولم تطلق امرأته، قال: وأنى علمت ذاك؟ قال: نشدتك الله يا أمير المؤمنين! ألم تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال لفاطمة عليها السلام وهو عندها في بيتها عائد لها: يا بنية! ما علتك؟ قالت: الوعك يا أبتاه! وكان علي غائبا في بعض حوائج النبي صلى الله عليه وآله فقال لها:
أتشتهين شيئا؟ قالت: نعم أشتهي عنبا وأنا أعلم أنه عزيز وليس وقت عنب، فقال صلى الله عليه وآله: إن الله قادر على أن يجيئنا به، ثم قال: اللهم ائتنا به مع أفضل أمتي عندك منزلة. فطرق علي الباب ودخل، ومعه مكتل قد ألقى عليه طرف رداءه، فقال له النبي صلى الله عليه وآله ما هذا يا علي؟ قال: عنب التمسته لفاطمة عليها السلام فقال: الله أكبر! الله أكبر! اللهم كما سررتني بأن خصصت عليا بدعوتي فاجعل فيه شفاء بنيتي. ثم قال: كلي على اسم الله يا بنية! فأكلت. وما خرج رسول الله صلى الله عليه وآله حتى استقلت وبرأت.
فقال عمر: صدقت وبررت، أشهد لقد سمعته ووعيته يا رجل! خذ بيد امرأتك، فإن عرض لك أبوها فاهشم أنفه.