قال: فجمع عمر بن عبد العزيز بني هاشم وبني أمية وأفخاذ قريش، ثم قال لأبي المرأة: ما تقول أيها الشيخ؟ قال: يا أمير المؤمنين! هذا الرجل زوجته ابنتي وجهزتها إليه بأحسن ما يجهز به مثلها، حتى إذا أملت خير: ورجوت صلاحه حلف بطلاقها كاذبا، ثم أراد الإقامة معها. فقال له عمر: يا شيخ، لعله لم يطلق امرأته فكيف حلف؟ قال الشيخ: سبحان الله! الذي حلف عليه لأبين حنثا وأوضح كذبا من أن يختلج في صدري منه شك مع سني وعلمي، لأنه زعم أن عليا خير هذه الأمة، وإلا فامرأته طالق ثلاثا. فقال للزوج:
ما تقول؟ أهكذا حلفت؟ قال: نعم، فقيل: إنه لما قال نعم كاد المجلس يرتج بأهله، وبنو أمية ينظرون إليه شزرا، إلا أنهم لم ينطقوا بشئ، كل ينظر إلى وجه عمر.
فأكب عمر مليا ينكت الأرض بيده، والقوم صامتون ينظرون ما يقوله، ثم رفع رأسه، وقال:
إذا ولي الحكومة بين قوم * أصاب الحق والتمس السدادا وما خير الإمام إذا تعدى * خلاف الحق واجتنب الرشادا ثم قال للقوم: ما تقولون في يمين هذا الرجل؟ فسكتوا، فقال: سبحان الله!
قولوا.
فقال رجل من بني أمية: هذا حكم في فرج ولسنا نجترئ على القول فيه وأنت عالم بالقول مؤتمن لهم وعليهم، قل ما عندك، فإن القول ما لم يكن يحق باطلا ويبطل حقا جائز علي في نفسي. قال: لا أقول شيئا.
فالتفت إلى رجل من بني هاشم من ولد عقيل بن أبي طالب، فقال له:
ما تقول فيما حلف به هذا الرجل يا عقيلي؟ فاغتنمها، فقال: يا أمير المؤمنين! إن جعلت قولي حكما أو حكمي جائزا قلت، وإن لم يكن ذلك فالسكوت أوسع لي وأبقى للمودة. قال: قل، وقولك حكم وحكمك ماض.