والتحقيق والغور في المسائل النظرية وتمييز الحق من الباطل لا يسأمون ولا يملون فيقف طبعا عندئذ على ضعف مخالفيهم من هذه الجهات.
ب: هذه الاحتجاجات تفيد القارئ شدة اهتمام الشيعة بالأمور الدينية أصولا وفروعا.
وقد اشتهرت الشيعة بذلك في القرون السالفة، اشتهروا بالدقة والتحري في أمور دينهم واهتمامهم بذلك بحيث إذا رأى الناس أحدا يدقق في المسائل الدينية حكموا بأنه رافضي. كان أسد بن عمرو على قضاء واسط فقال: رأيت قبلة واسط رديئة جدا وتبين لي ذلك فتحرفت فيها، فقال قوم من أهل واسط: إنه رافضي، فقيل لهم: ويلكم هذا من أصحاب أبي حنيفة (1).
ج - يظهر للقارئ المدقق المنصف فطانة الشيعة ويقظتهم وأنهم لا يخدعون، ويتضح إحاطة الشيعة بكتب مخالفيهم وعقائدهم بعد إحاطتهم بكتبهم وعقائدهم حتى أن الشيعي يطير ولا يقع ويفحم خصمه ولا يفحم ويغلب ولا يغلب.
د - يظهر أيضا إنصافهم في البحث وتحريهم الحق في الجدل، لا يريدون غير إبانة الحق وانكشاف الواقع.
6 - إذا لاحظ المتدبر المنصف هذه الاحتجاجات واستنتج منها ما ذكرنا من عقل الشيعي ودقته وتدبره وغوره في المسائل وتحريه الحقائق وتجنبه عن الباطل والاعتساف وتحليه بالحلم والإنصاف واهتمامه بالمسائل الدينية وإحاطته بعقائد مخالفه وتبحره في عقيدته سأل نفسه: من أين اكتسب هؤلاء هذه الفضائل؟ وفي أي مدرسة؟ وعند أي أستاذ؟ وأجاب أكتسب من بيت الوحي وفي مدرستهم وعند أئمة أهل البيت عليهم السلام، فيتضح له معنى قوله سبحانه: " قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى " (2) وقوله تعالى: " قل ما سألتكم من أجر فهو لكم إن أجري