وقال في تفسير قوله تعالى: " ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن " (1): أي بالطريقة التي هي أحسن وإنما يكون أحسن إذا كانت المناظرة برفق ولين الإرادة الخير والنفع بها، ومثله قوله تعالى: " فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى " (2) والأحسن الأعلى في الحسن من جهة قبول العقل له، وقد يكون أيضا أعلى من جهة قبول الطبع وقد يكون في الآخرين جميعا. وفي هذا دلالة على وجوب الدعاء إلى الله تعالى على أحسن الوجوه وألطفها واستعمال القول الجميل في التنبيه على آيات الله وحججه " إلا الذين ظلموا منهم " أي إلا من أبي أن يقر بالجزية منهم ونصب الحرب فجادلوا هؤلاء بالسيف " (3).
أقول: إذا كان الجدال والحجاج لإظهار الحق وإقامة الدليل والبرهان ولم يكن مستلزما لإنكار الحق ولا وهنه ولا طرد الناس عن قبول الحق وكان في لين وسكينة ورفق وبعبارة أخرى: كان بطريقة أحسن من كل الجهات فهو محمود.
ومن أجلى مصاديق الجدال بالتي هي أحسن ما حكاه الله سبحانه عن أنبيائه العظام صلوات الله على نبينا وآله وعليهم كاحتجاجات إبراهيم ونوح وشعيب وموسى وعيسى عليهم الصلاة والسلام واحتجاج مؤمن آل فرعون، ومن ألطفها ما ذكره في ذيل آية المجادلة " ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون " (4) حيث رخص في المجادلة بالتي هي أحسن ثم أتى بالمثال للمجادلة بالتي هي أحسن من حيث البيان في عدم التصريح بكفرهم وإظهار الإيمان بما جاء به نبيهم ثم التعقيب بقوله: " ونحن له مسلمون ".
والمذموم: ما كان على خلاف ما ذكر: