أخبرني عن شيئين منذ خلقهما الله قائمين، وعن شيئين جاريين وشيئين مختلفين، وشيئين متباغضين، فقال له ذو القرنين: أما الشيئان القائمان فالسماوات والأرضون، وأما الشيئان الجاريان فالشمس والقمر، وأما الشيئان المختلفان فالليل والنهار، وأما الشيئان المتباغضان فالموت والحياة. فقال: أنطلق فأنت عالم فأنطلق ذو القرنين يسير في البلاد حتى مر بشيخ يقلب جماجم الموتى فوقف عليه بجنوده فقال له: أخبرني أيها الشيخ لأي شئ تقلب الجماجم؟ قال: لأعرف الشريف من الوضيع، والغني من الفقير، فما عرفت وإني لأقلبها منذ عشرين سنة فانطلق ذو القرنين وتركه، وقال: ما عنيت بهذا أحدا غيري فبينما هو يسير إذ وقع على الأمة العالمة من قوم موسى الذين يهدون بالحق وبه يعدلون فلما رآهم قال لهم: أيها القوم أخبروني بخبركم فإني قدرت الأرض شرقها وغربها، وبرها وبحرها، وسهلها وجبلها، ونورها وظلمتها، فلم ألق مثلكم، فأخبروني ما بال قبور موتاكم على أبواب بيوتكم؟ قالوا: فعلنا ذلك لئلا ننسى الموت، ولا يخرج ذكره من قلوبنا قال: فما بالكم ليس بينكم حاكم؟ قالوا: لا نختصم قال: فما بالكم ليس فيكم ملوك قالوا: لا نتكاثر قال: فما بالكم لا تتفاضلون ولا تتفاوتون؟ قالوا: من قبل إنا متواسون متراحمون قال: فما بالكم لا تتنازعون ولا تختلفون؟ قالوا: من قبل الفة قلوبنا وصلاح ذات بيننا قال: فما بالكم لا تستبون، ولا تقتلون؟ قالوا: من قبل إنا غلبنا طبايعنا بالعزم، وسبينا أنفسنا بالحلم قال: فما بالكم كلمتكم واحدة، وطريقتكم مستقيمة؟
قالوا: من قبل إنا لا نتكاذب ولا نتخادع، ولا يغتاب بعضنا بعضا. قال: فأخبروني لم ليس فيكم مسكين ولا فقير؟ قالوا: من قبل إنا نقسم بالسوية. قال فما بالكم ليس فيكم فظ ولا غليظ؟ قالوا: من قبل الذل والتواضع، قال: فلم جعلكم الله عز وجل أطول الناس أعمارا؟ قالوا: من قبل إنا نتعاطى الحق، ونحكم بالعدل قال: فما بالكم لا تقحطون؟ قالوا: من قبل إنا لا نغفل عن الاستغفار قال: فما بالكم لا تحزنون؟
قالوا: من قبل إنا وطنا أنفسنا على البلاء فعزينا أنفسنا. قال: فما بالكم لا تصيبكم الآفات؟ قالوا: من قبل إنا لا نتوكل على غير الله عز وجل ولا نستمطر بالانواء والنجوم، قال: فحدثوني أيها القوم هكذا وجدتم آبائكم يفعلون؟ قالوا: وجدنا آبائنا يرحمون مسكينهم، ويواسون فقيرهم ويعفون عمن ظلمهم، ويحسنون إلى من أساء إليهم