" بعده ممن تباعد منه بغض ونزاهة " أي إنما يبعد عن الكفار والفساق للبغض في الله والنزاهة والبعد عن أعمالهم وأفعالهم والنزاهة بالفتح التباعد عن كل قذر ومكروه، و " دنوه ممن دنا منه " من المؤمنين " لين ورحمة " أي ملاينة وملاطفة وترحم " ولا عظمة " أي تجبرا وعد النفس عظيما وقيل المراد بها العظمة الواقعية وفي القاموس خلبه كنصره خلبا وخلابا وخلابة بكسرهما خدعه " بل يقتدي " أي في هذا البعد والدنو.
أقول: هذه الصفات قد يتداخل بعضها في بعض، ولكن تورد بعبارة أخرى أو تذكر مفردة ثم تذكر ثانية مركبة مع غيرها، وهذا النوع من التكرار في الخطب والمواعظ مطلوب لمزيد التذكار.
" ثم وقع مغشيا عليه " كأن المراد به أنه مات من غشيته، كما سيأتي (1) في رواية النهج " هكذا تصنع المواعظ البالغة " " هكذا " في حل النصب نائب للمفعول المطلق لقوله " تصنع " والتقدم للحصر، والمشار إليه نوع من التأثير صار في همام سبب موته " بأهلها " أي بمن تؤثر فيه ويتدبرها ويفهمها كما ينبغي.
" فما بالك يا أمير المؤمنين " أي ما حالك حيث لم يفعل العلم بتلك الصفات أو ذكرها أو سماعك من الرسول صلى الله عليه وآله ما فعل بهمام أو لم أتيت بتلك الموعظة مع خوفك عليه؟ فعلى الأول الجواب يحتمل وجوها:
الأول أن المشار إليه بهكذا التأثير الكامل وصيرورته في همام سبب موته لضعف نفسه وقلة حوصلته، وعدم اتصافه ببعض تلك الصفات لا يستلزم صيرورته سببا للموت في كل أحد، لا سيما فيه صلوات الله عليه.
الثاني ما ذكره بعض المحققين وهو أنه أجابه عليه السلام بالإشارة إلى السبب البعيد وهو الاجل المحتوم به القضاء الإلهي وهو جواب مقنع للسامع مع أنه حق وصدق وأما السبب القريب الفرق بينه وبين همام ونحوه لقوة نفسه القدسية على قبول الواردات الإلهية وتعوده بها وبلوغ رياضته حد السكينة عند ورود أكثرها وضعف