و " الماء الأجاج المالح الاسن " عماله في طينته من تهيجات الأوهام الباطلة والأهواء المموهة الردية، الحاصلة من تركيب الملك مع الملكوت، مما لا أصل له ولا حقيقة.
ثم الصفوة من الطينة الطيبة عبارة عما غلب عليه إفاضة الجبروت من ذلك والثفل منه ما غلب عليه أثر الملكوت منه، و " كدورة الطين المنتن الخبيث " مما غلب عليه طبايع عالم الملك، وما يتبعه من الأهواء المضلة.
وإنما لم يذكر نصيب عالم الملك للأئمة عليهم السلام، مع أن أبدانهم العنصرية منه، لأنهم لم يتعلقوا بهذه الدنيا ولا بهذه الأجساد تعلق ركون وإخلاد، فهم وإن كانوا في النشأة الفانية بأبدانهم العنصرية، ولكنهم ليسوا من أهلها كما مضى بيانه.
قال الصادق عليه السلام في حديث حفص بن غياث: " يا حفص ما أنزلت الدنيا من نفسي إلا بمنزلة الميتة، إذا اضطررت إليها أكلت منها " فلا جرم نفضوا أذيالهم منها بالكلية، إذا ارتحلوا عنها، ولم يبق معهم منها كدورة، وإنما لم يذكر نصيب الناصب وأئمة الكفر من إفاضة عالم الجبروت، مع أن لهم منه حظ الشعور والإدراك وغير ذلك، لعدم تعلقهم ولا ركونهم إليه، ولذا تراهم تشمئز نفوسهم من سماع العلم والحكمة ويثقل عليهم، فهم الاسرار والمعارف، فليس لهم من ذلك العالم إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه وما دعاء الكافرين إلا في ضلال نسوا الله فأنساهم أنفسهم فلا جرم ذهب عنهم نصيبهم من ذلك العالم، حيث أخلدوا إلى الأرض، واتبعوا أهواءهم.
فإذا جاء يوم الفصل وميز الله الخبيث من الطيب، ارتقى من غلب عليه إفاضات عالم الجبروت إلى الجبروت وأعلى الجنان والتحق بالمقربين، ومن غلب عليه آثار الملكوت إلى الملكوت، ومواصلة الحور والولدان، والتحق بأصحاب اليمين، وبقي من غلب عليه الملك في الحسرة والثبور والهوان، والتعذيب بالنيران إذ فرق الموت بينه وبين محبوباته ومشتهياته.