تأكلون) وإنما خصهما بالنهي لأنهما من أعظم مطالب الراغبين في الدنيا، وعلى الثاني بقوله (واتقوا الله الذي إليه ترجعون) وفيه وعد وعيد جميعا وقد مر تفسير التقوى وبيان مراتبها.
* الأصل 2 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، وعلي بن إبراهيم، عن أبيه، جميعا عن ابن محبوب، عن أبي محمد الوابشي وإبراهيم بن مهزم، عن إسحاق بن عمار قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) قال:
إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) صلى بالناس الصبح، فنظر إلى شاب في المسجد وهو يخنق ويهوى برأسه، مصفرا لونه، قد نحف جسمه وغارت عيناه في رأسه. فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من قوله وقال: إن لكل يقين حقيقة فما حقيقة يقينك؟ فقال: إن يقيني يا رسول الله هو الذي أحزنني وأسهر ليلي وأظمأ هو أجري فعزفت نفسي عن الدنيا وما فيها حتى كأني أنظر إلى عرش ربي وقد نصب للحساب وحشر الخلائق لذلك وأنا فيهم وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتنعمون في الجنة ويتعارفون وعلى الأرائك متكئون، وكأني أنظر إلى أهل النار وهم فيها معذبون مصطرخون وكأني الان أسمع زفير النار، يدور في مسامعي، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لأصحابه: هذا عبد نور الله قلبه بالإيمان، ثم قال له: إلزم ما أنت عليه، فقال الشاب: ادع الله لي يا رسول الله أن ارزق الشهادة معك، فدعا له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فلم يلبث أن خرج في بعض غزوات النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فاستشهد بعد تسعة نفر وكان هو العاشر.
* الشرح قوله: (فنظر إلى شاب في المسجد) يحتمل أن يكون حارثة بن مالك الأنصاري الآتي (وهو يخفق) أي يضرب أو ينام حتى يسقط ذقنه على صدره وهو قاعد. يقال: خفق برأسه إذا أخذته سنة من النعاس فمال رأسه دون سائره جسده وحينئذ قوله (ويهوى برأسه) كالتفسير له. ومنشأ هذا وما بعده من اصفر اللون ونحافة الجسم وغور العينين قلة الاكل وكثرة السهر والرياضة والعبادة والحزن من امر الآخرة. (فعجب رسول (صلى الله عليه وآله وسلم) من قوله) لأنه أخبر بشيء نادر الوقوع موجب لحمده واستحسانه والرضاء عنه، والتعجب انفعال النفس لزيادة وصف مدح أوذم في المتعجب منه. ولما ادعى اليقين لنفسه تقاضاه (صلى الله عليه وآله وسلم) بمصداقه أي ما يصدقه وطلب منه شواهد تشهد له بتحقيقة دعواه، وقال (ان لكل يقين حقيقة) أي لكل فرد من أفراده الشخصية كما يشعر به قوله (فما حقيقة يقينك) فان الإضافة تفيد الإختصاص والجزئية أو لكل نوع من أنواعه وهي علم اليقين. وعين اليقين، وحتى اليقين، ولعل المراد بحقيقة اليقين غايته التي ينتهي إليها ويستقر فيها ولها آثار شريفة وصفات لطيفة وأمارات منيفة دالة على حصولها وتحققها والسؤال وقع عن تلك الآثار فلذلك