قنياتها والشوق إلى لذاتها وراحتها النفسانية والبدنية، ومن ثم يكون الفقر والبلاء عند الزهاد أحسن من الفراق والغناء.
(ومن راقب الموت سارع إلى الخيرات) حذرا من أن يموت قبل أن يدركها، ولعلمه بأنها سبب للحياة الأبدية التي هي الحياة الحقيقية فيستعد لها بالتبادر إلى الأعمال الصالحة، ولما فرغ من شعب الصبر وبيان فوائدها أشار إلى شعب اليقين فوائدها بقوله:
(واليقين على أربع شعب تبصرة الفطنة) الفطنة جودة الذهن وتهيؤه لا دراك الأشياء وأحوالها كما هي، والإضافة من باب إضافة المصدر إلى مفعوله، والمراد برؤيتها التوجه إليها. والتأمل فيها وفي مقتضاها من العلوم والمعارف، وجعلها فاعلا للمصدر وإرادة رؤيتها للأشياء وإن كان محتملا في نفسه لكن ينافي قوله فمن أبصر الفطنة.
(وتأول الحكمة) التأول بمعنى التأويل وهو تفسير ما يؤول إليه الشيء، والحكمة العلم الذي يمنع الإنسان من القبيح مطلقا، والمراد بتأولها الوصول إلى غورها ليعرف الأولين فإنهم عبرة لأولى الأبصار ومحل لاعتبار ما كانوا فيه من نعيم الدنيا ولذاتها، والمباهاة بكثرة أسبابها وزهراتها ثم مفارقتهم لذلك كله بالموت وبقاء الحسرة والندامة لهم حجبا حائلة بينهم وبين الوصول إلى حضرة جلال الله.
(وسنة الأولين) أي ومعرفة سنتهم وطريقتهم من خير يوجب النجاة وشر يوجب الهلاك، ثم أشار إلى فوائد هذه الشعب والترتيب بينهما بقوله:
(فمن أبصر الفطنة) ونظر إلى وجه مقتضاها (عرف الحكمة ومن تأول الحكمة) وبلغ غورها ( عرف العبرة) بأحواله وأحوال الماضين. (ومن عرف العبرة عرف السنة) أي سنة الأولين وطرزهم وطريقتهم.
(ومن عرف السنة فكأنما كان من الأولين) في حياتهم فيرى أعمالهم وما يتعقبها من العقوبات الدنيوية، أو بعد موتهم فيرى حسراتهم وعقوباتهم الاخروية (واهتدى بذلك إلى) الطريقة (التي هي أقوم) الطرايق وأفضلها.
(ونظر إلى من نجى بما نجى) من الأعمال الصالحة والاخلاق المرضية. (ومن هلك بما هلك) من الأعمال الباطلة والاخلاق الفاسدة. (وإنما أهلك الله من أهلك) من الأمم السابقة وغيرهم (بمعصية). (وأنجى من أنجى بطاعته) يظهر كل ذلك لمن نظر من الآيات والروايات، وفيه ترغيب في الطاعة وزجر عن المعصية. (والعدل على أربع شعب) أوليها (غامض الفهم وغمر العلم) الإضافية فيها إضافة الصفة إلى الموصوف أي الفهم الغامض الذي ينفذ في بواطن الأشياء