الإيمان وثباته وبقائه، والمراد بالصبر الثبات على أحكام الكتاب والسنة وخلع النفس عن الشهوات ومنعها عن الجزع عند المصيبات، وهو كنز من كنوز الجنة وطريق عظيم للدخول فيها.
وباعث قوى للبقاء على الإيمان، وباليقين العلم مع زوال الشك وعدم احتمال طريانه وحاصله مشاهدة الغيوب بأنوار القلوب وملاحظة الاسرار بمعاونة الافكار وبالعدل مكلة الاعتدال في القوة النظرية والعملية والتوسط في القوة الشهوية والغضبية وهو مثمر لقوة الإيمان وكماله، وبالجهاد المجاهدة النفسانية والبدنية والمراقبة الروحانية، والله سبحانه أظهر الدين وطلب الإيمان به وجعل عزهما وكمالهما في الجهاد فمن جاهد كما إيمانه وشارك المجاهدين، ومن فقد نقص إيمانه وشارك المتخلفين والمنافقين. (فالصبر من ذلك على أربع شعب) لما فرغ من دعائم الإسلام شرع في ليس منها وكذا العلم والجهاد وذكر منها ما هو من الإيمان وذكر لكل واحد منها أربع شعب والشعب وثمراتها. والشعب جمع الشعبة، والمراد بها هنا الأغصان فقد شبه الصبر مثلا بشجرة في في كونه أصلا والشعب بالأغصان في كونها فروعا، وما يترتب على الشعب بالأثمار في كونه حاصلا. (على الشوق) أي الشوق إلى الجنة ونعيمها ودرجاتها وهو ميل النفس إلى الشيء بعد تصوره وتصور نفعه، والبصر أصل له إذ هو لا يصحل بدون الصبر عن أحكام الله ومكاره النفس، وهو مع ذلك سبب لكمال الصبر وثباته.
(والاشفاق) وهو الخوف من نار جهنم أو من نار الفراق لأن الصابر بترقياته يصل إلى أعلى مراتب القرب فيحصل له الخوف مما ذكر وهو سبب لبقاء الصبر وثباته.
(والزهد) أي الزهد في الدنيا وزهراتها وهو لا يحصل بدون الصبر في الطاعات وزجر النفس عن المنهيات وهو مع ذلك سبب لثبات الصبر.
(والرقب) أي ترقب الموت وانتظاره وهو لا يحصل بدون الصبر لأن الصابر هو الذي يطلب الحياة الحقيقية التي تحصل بالموت والترقب سبب لبقاء الصبر وكماله ثم أشار إلى فوائد تلك الشعب وثمراتها بقوله.
(فمن اشتاق إلى الجنة سلا عن الشهوات) أي فارقها وطيب نفسه عن جميع مشتهياتها التي هي طرق النار لأن من اشتاق إلى شيء يجتنب عما يوصل إلى ضده.
(ومن أشفق من النار رجع عن المحرمات) لأنها مؤدية إلى النار، وسبب لها ومن خاف من المسبب يفر عن السبب فمن ادعى الاشفاق وارتكب الحرام فهو كاذب.
(ومن زهد في الدنيا هانت عليها المصيبات) إذ منشأ صعوبتها هو الميل إلى الدنيا ومحبة