والغامر أي الغائر الذي يطلع عليه أذهان الأذكياء. ولو كان الغايص من الغوص بدل الغامض كان له أيضا معنى صحيح والغايص الذي يدخل في الماء ليطلع على ما فيه من اللؤلؤ ونحوه ليأخذه واستعير للفهم الغائص الذي ينفذ في دقائق الأشياء ويطلع على أسرارها وحقائقها (و) أخريها: ( زهرة الحكم وروضة الحلم أي نضارتهما وغضارتهما وحسنهما وكمالهما، والتركيب من باب لجين الماء، وجعله من باب المكنية والتخييلية بعيد، والمراد بزهرة الحكم الحكم المعجب للأنام وبروضة الحلم الحلم المكمل للنظام، ثم أشا إلى ثمرات تلك الشعب وفوائدها المترتبة عليها بقوله.
(فمن فهم بالفهم الغامض أو الغايص. (فسر جميع العلم) الشرعي والقانون العقلي والنقلي لأن هذا التفسير من شأن الفهم المذكور وآثاره.
(ومن علم) كذلك. (عرف) جميع (شرائع الحكم) ومشاربه وموارده ذلك من آثار العلم الغامر. (ومن حلم لم يفرط في أمره) ولم يقصر فيه أصلا لأن شأن الحليم الكامل هو التحرز عن طرف الافراط والتفريط والاستقرار في الوسط.
(وعاش في الناس حميدا) أي محمودا لأنه يطفئ نائرة الغضب عند نزول التعب ومكاره النفس فيحمده الناس وينصرونه كما قيل: الحلم يكتسب المدح من الملوك والمحبة من المملوك. (والجهاد على أربع شعب) أوليها (الامر بالمعروف والنهي عن المنكر) أي الامر بالطاعة والنهي عن المعصية بالشرائط والمراتب المذكور في كتب الفروع (و) ثالثها (الصدق في المواطن) أي مواطن جهاد النفس والعدو والفاسق بالامر والنهى ومنه أن يكون قوله موافقا لفعله، وفعله موافقا لقلبه، وقلبه موافقا لرضا الله تعالى، (و) رابعها (شنآن الفاسقين) أي بغضهم وهو راجع إلى انكارهم بالقلب ومقتصى الإيمان، وليس بداخل في النهي عن المنكر عند جماعة. ومن الأصحاب من أدخله فيه مجازا. ولما فرغ من شعب الجهاد أشار إلى فوائدها بقوله:
(فمن أمر بالمعروف شد ظهر المؤمن، ومن نهي عن المنكر أرغم أنف المنافق وأمن كيده) والمراد بشد ظهر المؤمن تقويته وامداده، وبإرغام أنف المنافق اهانته واذلاله وذلك لأن الامر بالمعروف تحريص العبد على ما يقربه إلى الله تعالى باتباع شرائعه، والنهي عن المنكر زجره عما يبعده منه ومن الندم عاجلا وآجلا، ومن البين أن من اتصف بهذه الصفة يكون مقويا ومرغما وآمنا.
(ومن صدق في المواطن) كلها (قضى الذي) يجب (عليه) من القول الحق وغيره، ودخل في زمرة الصادقين الذين مدحهم الله في كتابه الكريم بقوله (يوم ينفع الصادقين صدقهم (ومن شنأ الفاسقين) وأبغضهم لفسقهم (غضب الله) طلبا لمرضاته. (ومن غضب لله غضب الله له) وأرضاه في الدنيا والآخرة. نعم من كان لله كان الله له; رضي الله عنه ورضي عنه. (فذلك الإيمان ودعائمه وشعبه) وثمرات شعبه والله هو الموفق للصواب.