قوله: (ان العلم خليل المؤمن) إشارة إلى ما هو الأصل الجميع ما ذكر لتوقف الخصال المذكورة على هذه الأمور، والخلة - بالضم - الصداقة والمحبة التي تخللت القلب فصارت خلاله أي في باطنه والخليل الصديق فعيل بمعنى فاعل وقد يكون بمعنى مفعول، وانما كان العلم خليل المؤمن لأنه ينفعه غاية النفع كالخليل، والمراد بالمؤمن النفس الناطقة المطيعة المنزلة إلى هذا البدن لتحصيل معرفة الحق من جهة آثاره، ومشاهدة عجايب صنعه، والتقرب منه قبل العود وبعده على الوجه الأكمل كما قال عز شأنه (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق» ولما كان ذلك التحصيل لا يتم إلا بالأعضاء والحواس الظاهرة والباطنة والشهوة والغصب والحلم والعقل وغيرها خلقت لها هذه الأمور وجعلت جنودها وهي سلطان على الجميع تأمر كل واحد بما خلق له تناه عن غيره فتأمر اللسان بالقول الصحيح وتأمر البصر بالنظر الصحيح وتأمر الشهوة بطلب ما ينفع البدن وتأمر الغضب بدفع ما يضره، وقس عليه وكما أن للسلطان الظاهر وزيرا يشاوره في نظام أمره ومملكته وأميرا لجنوده يقهر الأعداء بحسن تدبيره ويضبط أمور عساكره، كذلك لسلطان البدن وزير وأمير فوزيره الحلم وأمير العقل إذ العقل ينهى اليه أن مرسوم اليد مثلا الاخذ والاعطاء الصحيحين، ومرسوم اللسان القول اللين والأقوال الصحيحة الموافقة للقوانين الشرعية، ومرسوم الشهوة هو القدر الضروري من الطعام والشراب ونحوهما، ومرسوم الغضب هو دفع المانع منه ودفع العدون المفسد فيأمر الوزير وهو الحلم بأن يعطى كل واحد ما أنهاه الأمير اليه ويمنعه من التجاوز عنه، فأمير البدن إذا رجع إليها تم نظام مملكته وصارت جنوده مسخرة له فتحمل له السعادة الأبدية والتقرب بالحضرة الربوبية ولو انعكس الامر وعصت الرعايا وغلبت الشهوة والغضب على الأمير والوزير زالت سلطنته وخربت مملكته ونكست أحواله وبعد عن مولاه وهو من الخاسرين.
قوله: (والرفق اخوه والبر والده) أي الرفق وهو اللين والتلطف بالصديق والعدو والجليس والرفق، بمنزلة الأخ في دفعه الشر عنه. والبر هو الإحسان إلى الخلق بمنزلة الوالد في جلب النفع وطلب الخير له.
* الأصل 2 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله، عن أبيه (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه: الإيمان له أركان أربعة التوكل على الله، وتفويض الأمر إلى الله، والرضاء بقضاء الله، والتسليم لأمر الله عز وجل.