ومن وفي الله بشروطه وحفظها وأتي بما وصف في عهده على وجه الكمال ورعاه وعبد بإرشاد الرسول والهداة من بعده نال ما عنده من الثواب الجزيل واستكمل وعده من الأجر الجميل كما قال عز وجل أوفوا بعهدي أوف بعهدكم أي أوفوا بما عاهدتكم عليه من الامور المذكورة أوف بعهدكم من الثواب والجزاء. وقيل إن للوفاء عرضا عريضا أو له الإقرار بالشهادتين وآخر الاستغراق في التوحيد.
قوله: (إن الله عز وجل اخبر العباد بطرق الهدي) بيان للشروط والعهود المذكورة أو تأكيد لها أو دليل عليها ولذا ترك العطف، والمراد بطرق الهدي طرق الشرع الموصلة إلى المطلوب الهادية إلى مقام القرب وبالمنار وهي جمع المنارة على غير قياس يعني موضع النور ومحله أعلام الهدي وهم الحجج (عليهم السلام) لأنهم محال أنوار الله تعالى وعلومه التي بمنزلة النور في الإيصال إلى المطلوب باخبارهم كيفية سلوكهم طرق الشرع والزامهم باقتفاء آثار الحجج واتباع أقوالهم وأعمالهم وعقائدهم فقال عز وجل: (وإني لغفار لمن تاب) عن الباطل ورجع إلى وإلى الحجج (وآمن) بي وبهم (وعمل صالحا) ببيانهم وإرشادهم، (ثم اهتدى) إلى وإلى مقام قربى أو إلى العلم بأنه لا يتحقق المغفرة والعمل الصالح بدون التوبة والإيمان المذكورين.
(وقال عز وجل إنما يتقبل الله من المتقين) الذين يتمسكون بما جاء به الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وبين لهم الحجج ولم يتجاوزوه ويقومون على ما أمرهم الله به وينتهوا عما نهاهم عنه.
(فمن اتقى الله عز وجل فيما أمره) من متابعة الحجج واقتفاء آثارهم. (لقى الله عز وجل) يوم القيامة مؤمنا (بما جاء به محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) هيهات هيهات) أي بعد التقوى واللقاء بالإيمان. (فات قوم ) في الضلالة (وماتوا قبل أن يهتدوا) إلى الله والحجج (وظنوا أنهم آمنوا) بالله والحال أنهم ( أشركوا) به (من حيث لا يعلمون) أنه اتباع الهوى وترك متابعة الحجج شرك بالله العظيم، ثم أوضح ذلك على سبى الاقتباس من القرآن الكريم بقوله (أنه من أتى البيوت) بيوت الشرع (من أبوابها) وهي الحجج (اهتدى) إلى دين الله الموصل إليه (ومن أخذ في غيرها سلك طريق الردي ) أي الضلال والهلاك وسر ذلك أن الوصول إلى الله متوقف على سلوك سبيله المتوقف على العلم بالمبدأ والمعاد والقوانين الشرعية المقررة بالوحي وشئ من ذلك لا يتسير إلا بالإرشاد معلم رباني وهو النبي ومن يقوم مقامه من الأوصياء والعلماء التابعين لهم فمن أخذ منهم فقد اهتدى، ومن عدل عنهم فقد سلك سبيل الردى وضل عن سبيل الحق، ومثله كمثل من قصد جهة الشرق وهو سلك سبيل الغرب فكلما بالغ في السير بعد عن المقصد وضل عن سبيه وهو الضلال البعيد ( ثم أكد ذلك بقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) وصل الله طاعة ولي أمره بطاعة رسوله وطاعة رسوله بطاعته) في قوله