منزلته ودرجته فدرجة الفاضل أرفع من درجة غير ودرجة الأفضل أعلى من درجة المفضول، ودرجة السابق إلى الإيمان أشرف وأرفع من درجة المسبوق وقد رد الله عز شأنه بهذه الآية وأمثالها على من علم أنه سيزعم جواز تفضيل المفضول على الأفضل بل الجاهل على الفاضل، ومن زعم أن الأفضلية باعتبار الزيادة في الثواب واعلاء الدرجة في الآخرة لا باعتبار السبق والكمال في الإيمان والزيادة في العمل لله تعالى ولم يدر أن الزيادة في الثواب والدرجة إنما هي بالاعتبار المذكورة، والا لزم الكذب بالوعد والوعيد وبطلان الكتاب والشريعة نعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا.
قوله: (وقال الذين آمنوا وهاجروا) أي قال الذين آمنوا بالله ورسوله واليوم الاخر ايمانا لا يشوبه شك وهاجروا إلى الرسول وفارقوا الأوطان وتركوا الأقارب والجيران وطلبوا مرضات الله وجاهدوا في سبيل الله بصرف أموالهم ورفع أنفسهم إلى الله ودفع هواها أعظم درجة عند الله ممن لم يتصف بالصفات المذكورة لإزالة طمعهم عن الحياة الدنيوية، وبذل أرواحهم القدسية طلبا للحياة الأخروية، وصرف همتهم العالية لاعلاء كلمة الحق وتقوية الدين، فلذلك صاروا أعظم درجة عند رب العالمين، والله لا يضيع اجر المحسنين ومن هذا يظهر أن علي بن أبي طالب صلوات الله عليه أعظم درجة من جميع الصحابة لأنه آمن وهاجر وجاهد حين فشلوا وفروا كما يهر بالنظر في حاله وحالهم في حرب حنين وأحد وخيبر وغيرها من الحروب.
قوله: (وقال فضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما درجات منه ومغفرة ورحمة) أجرا مفعول ثان لفضل باعتبار تضمنه معنى الاعطاء كأنه قيل وأعطاهم زيادة على القاعدين أجرا عظيما، وكل واحدة من درجات منه ومغفرة ورحمة بدل من أجرا، ويجوز أن تكون منصوبا على المصدر لأن فضل بمعنى آجر كأنه قيل: وآجرهم زيادة على القاعدين أجرا عظيما، والبدل بحاله، ويجوز أيضا أن ينتصب درجات بنزع الخافض أي بدرجات، أو على المصدر لأنها تدل على التفضيل فكأنه قيل: فضلهم تفضيلات كقولك ضربته أسواطا أي ضربات الأسواط تدل على الضربات وحينئذ ينتصب أجرا على أنه حال عنها تقدمت عليها لأنها نكرة، ومغفرة ورحمة على المصدر باضمار فعلهما أي فنغر لهم مغفرة ورحمهم رحمة، كذا ذكره المفسرون. وههنا شيئان لا بأس أن نشير اليهما:
الأول أن النيشابوري قال في تفسيره: استدلت الشيعة ههنا بأن عليا (عليه السلام) أفضل من غيره من الصحابة لأنه بالنسبة إليهم مجاهدوهم بالإضافة اليه قاعدون لما اشتهر من وقايعه واقدامه وشجاعته وحمايته، وأجاب أهل السنة بأن جهاد أبي بكر بالدعوة إلى الدين وهو الجاهد الأكبر