هذا كثير في كلامهم وما جاء القرآن والحديث إلا على طرقهم وأساليبهم، من ذلك قولهم: لو قيل للشحم: أين تذهب، لقال: أسوي العوج، وهو في القرآن كثير من (إنا عرضنا الامانة)، الآية (1) و (قيل يا أرض ابلعي) الآية (2).
فإن قلت: لم قدم الأمر بالإدبار هنا وأخره في الحديث الذي في أول الباب؟
قلت: إذ قد علمت أن لا إقبال ولا إدبار حقيقة، وإنما هو تصوير وتمثيل فلا حرج في تقديم كل واحد منهما ولا تأخيره، غير أن التصوير بتقديم الإدبار كما هنا أشد ملاءمة لما تألفه النفوس وتسكن إليه الطباع في مثله، فإن المصنوع عند فراغ الصانع من صنعته لابد وأن يكون حاضرا عنده فلا يتصور إقباله إلا بعد إدباره؛ لكن لما كان الأمر على ما تلوناه صح كلا الأمرين.
* قوله (عليه السلام): ثم جعل للعقل خمسة وسبعين جندا إلخ [ص 21 ح 14] اعلم أنه يرد على ظاهر هذا الحديث الإشكال من وجوه أربعة:
الأول: أنه قال: إن لكل واحد من العقل والجهل خمسة وسبعين جندا مع أنها ثمانية وسبعون.
الثاني: أنه كرر الحرص فجعله ضدا للتوكل وضدا للقنوع، وجعل ضد الفهم الحمق في موضع والغباوة في موضع آخر، والبلاء جعله ضدا للعافية تارة وللسلامة أخرى.
الثالث: أنه قال: العلم وضده الجهل. جعل الشيء جندا لنفسه.
الرابع: أنه قال: الإيمان وضده الكفر، والتصديق وضده الجحود، والرأفة وضدها القسوة، والرحمة وضدها الغضب، والظاهر أن الإيمان والتصديق واحد