كما كانوا في صلاتهم إلى الكعبة واجتزؤا بما صلوا إلى بيت المقدس من تلك الصلاة بعينها * قلنا: هذا خبر صحيح، ولا حجة فيه علينا، ولا نخالفه ولله الحمد * أول ذلك: أنه ليس فيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علم ذلك فأقره، ولا حجة الا في القرآن أو في كلامه عليه السلام أو في عمله أو فيما علم عليه السلام من عمل غيره فلم ينكره * وإنما العجب من المالكيين الذين يعظمون خلاف الصاحب إذا وافق تقليدهم، ثم قد خالفوا ههنا عمل طائفة عظيمة من الصحابة رضي الله عنهم لا يعرف لهم منهم مخالف! * قال على: أهل قباء رضي الله عنهم كان الفرض عليهم أن يصلوا إلى بيت المقدس، فلو أنهم صلوا إلى الكعبة لبطلت صلاتهم بلا خلاف، ولا تلزم الشريعة إلا من بلغته، لا من لم تبلغه، قال الله تعالى: (لأنذركم به ومن بلغ) ولا شك عند أحد من الجن والإنس ولا الملائكة أن من كان من المسلمين بأرض الحبشة أو بمكة من المستضعفين فإنهم تمادوا على الصلاة إلى بيت المقدس مدة طويلة، أما أهل مكة فأياما كثيرة بعد نزول تحويل القبلة، وأما من بالحبشة فلعلهم صلوا عاما أو أعواما حتى بلغهم تحويل القبلة، فحينئذ لزمهم الفرض، لا قبل ذلك، فإنما لزم أهل قباء التحول حين بلغهم لا قبل ذلك فانتقلوا عن فرضهم إلى فرض ناسخ لما كانوا عليه، وهذا هو الحق الذي لا يحل لاحد غيره * وأما من بلغه فرض تحويل الكعبة وعلمه وكان مخاطبا به ولم يسقط تكليفه عنه لعذر مانع: فلم يصل كما أمر، ومن لم يصل كما أمر فلم يصل، لأنه لا يجزئ ما نهى الله عنه عما أمر الله تعالى به * وقال أبو حنيفة: من صلى في غير مكة إلى غير القبلة مجتهدا ولم يعلم إلا
(٢٢٩)