عن غيره إن كان بعد تحقق الوجوب عليه بملك الزاد والراحلة والصحة فهو مكروه كراهة تحريم، لأنه تضيق عليه في أول سني الإمكان فيأثم بتركه، وكذا لو تنفل لنفسه، ومع ذلك يصح لان النهي ليس لعين الحج المفعول بل لغيره وهو الفوات، إذ الموت في سنة غير نادر اه.
قال في البحر: والحق أنها تنزيهية على الآمر لقولهم: والأفضل الخ، تحريمية على الصرورة المأمور الذي اجتمعت فيه شروط الحج ولم يحج عن نفسه، لأنه أثم بالتأخير اه.
قلت: وهذا لا ينافي كلام الفتح لأنه في المأمور، ويحمل كلام الشارح على الآمر، فيوافق ما في البحر) من أن الكراهة في حقه تنزيهية وإن كانت في حق المأمور تحريمية.
تنبيه: قال في نهج النجاة لابن حمزة النقيب بعد ما ذكر كلام البحر المار: أقول وظاهره يفيد أن الصرورة الفقير لا يجب عليه الحج بدخول مكة، وظاهر كلام البدائع بإطلاقه الكراهة: أي في قوله: يكره إحجاج الصرورة لأنه تارك فرض الحج يفيد أنه يصير بدخول مكة قادرا على الحج عن نفسه وإن كان وقته مشغولا بالحج عن الآمر وهي واقعة الفتوى، فليتأمل اه.
قلت: وقد أفتى بالوجوب مفتي دار السلطنة العلامة أبو السعود، وتبعه في سكب الأنهر، وكذا أفتى به السيد أحمد بادشاه، وألف فيه رسالة. وأفتى سيدي عبد الغني النابلسي بخلافه وألف فيه رسالة، لأنه في هذا العام لا يمكنه الحج عن نفسه لان سفره بمال الآمر، فيحرم عن الآمر ويحج عنه، وفي تكليفه بالإقامة بمكة إلى قابل ليحج عن نفسه ويترك عياله ببلده حرج عظيم، وكذا في تكليفه بالعود وهو فقير حرج عظيم أيضا.
وأما ما في البدائع فإطلاقه الكراهة المنصرفة إلى التحريم يقتضي أن كلامه في الصرورة الذي تحقق الوجوب عليه من قبل كما يفيده ما مر عن الفتح، نعم قدمنا أول الحج عن اللباب وشرحه أن الفقير الآفاقي إذا وصل إلى ميقات فهو كالمكي في أنه إن قدر على المشي لزمه الحج ولا ينوي النفل على زعم أنه فقير لأنه ما كان واجبا عليه وهو آفاقي، فلما صار كالمكي وجب عليه، حتى لو نواه نفلا لزمه الحج ثانيا اه. لكن هذا لا يدل على أن الصرورة الفقير كذلك، لان قدرته بقدرة غيره كما قلنا، وهي غير معتبرة، بخلاف ما لو خرج ليحج عن نفسه وهو فقير، فإنه عند وصوله إلى الميقات صار قادرا بقدرة نفسه فيجب عليه وإن كان سفره تطوعا ابتداء، ولو كان الصرورة الفقير مثله لما صح تقييد ابن الهمام كراهة التحريم بما إذا كان حجه عن الغير بعد تحقق الوجوب عليه، وتعليله للكراهة بأنه تضيق الوجوب عليه، فليتأمل. قوله: (لا يصح) أي لعدم الأهلية المذكورة. قوله: (وإذا مرض) أي عرض له مانع من ذهابه كمرض وحبس وشمل ما لو عليه الآمر أو لا. قوله: (عن الميت) أي عن المحجوج عنه حيا أو ميتا. قوله: (إلا إذا أذن له) بالبناء للمجهول ليناسب ما بعده، ويشمل ما لو أذن له الميت أو وصيه ولم يكن عينه الميت بمنع إحجاج غيره كما مر. قوله: (خرج المكلف الخ) أما إذا لم يخرج وأوصى بأن يحج عنه وأطلق: أي لم يعين مالا