الباب من أن المتأخرين لم يطلقوا ذلك، بل أفتوا بجواز الاستئجار على التعليم والاذان والامام للضرروة لا على جميع الطاعات كما أوضحه المصنف في منحه في كتاب الإجارات وإلا لزم الجواز على الصوم والصلاة ولا يقول به أحد ولا ضرورة للاستئجار على الحج، لامكان دفع المال إليه لينفق على نفسه على حكم ملك الميت بطريق النيابة كما علمت التصريح به عن المبسوط والمتون المصرح فيها بجواز الاستئجار على التسليم ونحوه ليذكر فيها جوازه على الحج، بل المصرح به في عامة متون المذهب أنه لا يجوز الاستئجار على الحج كالكنز والوقاية والمجمع والمختار ومواهب الرحمن وغيرها، بل قال العلامة الشرنبلالي في رسالته بلوغ الإرب إنه لم يذكر أحد من مشايخنا جواز الاستئجار على الحج اه.
قلت: ولو قيل بجوازه لزم عليه هدم فروع كثيرة: منها ما مر من أن المأمور ينفق على حكم ملك الميت وأنه يجب عليه رد الفضل، واشتراط الانفاق بقدر مال الآمر أو أكثره، وأن الوصي لو دفع المال لوارث ليحج به لا يجوز إلا بإجازة الورثة وهم كبار لأنه كالتبرع بالمال، فلا يجوز للوارث بلا إجازة الباقين كما في الفتح، ولو كان بطريق الاستئجار لم يصح بشئ من هذه الفروع كما أوضحناه في رسالتنا شفاء العليل فافهم. قوله: (ولو أنفق من مال نفسه الخ) قال في الفتح: فإن أنفق الأكثر أو الكل من مال نفسه وفي المال المدفوع إليه وفاء بحجه رجع به فيه، إذ قد يبتلي بالانفاق من مال نفسه لبغتة الحاجة ولا يكون المال حاضرا فجوز ذلك، كالوصي والوكيل يشتري لليتيم والموكل، ويعطي الثمن من مال نفسه ويرجع به في مال اليتيم والموكل اه. قال في البحر: وبهذا علم أن اشتراطهم أن تكون النفقة من مال الآمر للاحتراز عن التبرع لا مطلقا اه.
وقال في الخانية: إذا خلط المأمور بالحج النفقة بمال نفسه قال في الكتاب: يضمن، فإن حج وأنفق جاز وبرئ عن الضمان اه.
إذا عرفت هذا فقوله وأنفق كله أو أكثره الضميران لمال الآمر، وفيه مضاف مقدر: أي مقدار كله أو مقدار أكثره، وهذا يرجع إلى المسألتين. والمعنى: ولو أنفق المأمور بالحج من مال نفسه وحج وأنفق مقدار كل مال الآمر المدفوع إليه أو مقدار أكثره جاز، وكذا إذا خلط النفقة بماله وحج وأنفق الخ. أفاده ح. وقوله: وبرئ من الضمان أي الحاصل بسبب الخلط على ما علمته، وهذا لو بلا إذن الآمر، بل نقل السائحاني عن الذخيرة: له الخلط بدراهم الرفقة أمر به أو لا للعرف.
تنبيه: سنذكر أنه لو أوصى أن يحج عنه بألف من ماله فأحج الوصي من مال نفسه ليرجع ليس له ذلك، لان الوصية باللفظ فيعتبر لفظ الموصي وهو أضاف المال إلى نفسه فلا يبدل اه. بحر.
قلت: وعلى هذا إذا أضاف المال إلى نفسه فليس للمأمور أن يبدله بماله كالوصي إلا أن يفرق بينهما بأن المأمور قد يضطر إلى ذلك على ما مر، فليتأمل. قوله: (وشرط العجز الخ) قد علمت مما قدمناه عن اللباب أن الشروط كلها شروط للحج الفرض دون النفل، فلا يشترط في النفل شئ منها إلا الاسلام والعقل والتمييز، وكذا عدم الاستئجار على ما بيناه. قوله: (لاتساع بابه) أي إنه يتسامح في النفل ما لا يتسامح في الفرض. قال في الفتح: أما الحج النفل فلا يشترط فيه