صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته أمر بالصوم والفطر بعد الرؤية، ففيما قاله أبو يوسف مخالفة النص اه ملخصا وفي الفتح: أوجب الحديث سبق الرؤية عن الصوم والفطر والمفهوم المتبادر منه الرؤية عند عشية آخر كل شهر عند الصحابة والتابعين ومن بعدهم، بخلاف ما قبل الزوال من الثلاثين والمختار قولهما اه.
قلت: والحاصل إذا رئي الهلال يوم الجمعة مثلا قبل الزوال: فعند أبي يوسف هو لليلة الماضية، بمعنى أنه يعتبر أن الهلال قد وجد في الأفق ليلة الجمعة فغاب ثم ظهر نهارا فظهوره في النهار في حكم ظهوره في ليلة ثانية من ابتداء الشهر، لأنه لو لم يكن قبل ليلة لم يمكن رؤيته نهارا لأنه لا يرى قبل الزوال إلا أن يكون لليلتين، فلا منافاة بكونه لليلة الماضية وكونه لليلتين، لان النهار صار بمنزلة ليلة ثانية، وإذا كان لليلة الماضية يكون يوم الجمعة المذكور أو الشهر، فيجب صومه إن كان رمضان، ويجب فطره إن كان شوالا. وأما عندهما فلا يكون للماضية مطلقا بل هو للمستقبلة، وليس كونه للمستقبلة ثابتا برؤيته نهارا لأنه لا عبرة عندهما برؤيته نهارا وإنما ثبت بإكمال العدة، لان الخلاف على ما صرح به في البدائع والفتح إنما هو في رؤيته يوم الشك وهو يوم الثلاثين من شعبان أو من رمضان. فإذا كان يوم الجمعة المذكور يوم الثلاثين من الشهر ورئي فيه الهلال نهارا: فعند أبي يوسف ذلك اليوم أول الشهر، وعندهما لا عبرة لهذه الرؤية ويكون أول الشهر يوم السبت، سواء وجدت هذه الرؤية أو لا، لان الشهر لا يزيد على الثلاثين فلم تفد هذه الرؤية شيئا، وحينئذ فقولهم هو لليلة المستقبلة عندهما بيان للواقع، وتصريح بمخالفة القول بأنه للماضية، فلا منافاة حينئذ بين قولهم هو للمستقبلة عندهما، وقولهم لا عبرة برؤيته نهارا عندهما، وإنما كان الخلاف في رؤيته يوم الشك، وهو يوم الثلاثين لان رؤيته يوم التاسع والعشرين لم يقل أحد فيها إنه للماضية لئلا يلزم أن يكون الشهر ثمانية وعشرين كما نص عليه بعض المحققين، وشمل قولهم لا عبرة برؤيته نهارا، وأما إذا رئي يوم التاسع والعشرين قبل الشمس ثم رئي ليلة الثلاثين بعد الغروب وشهدت بينة شرعية بذلك، فإن الحاكم يحكم برؤيته ليلا كما هو نص الحديث، ولا يلتفت إلى قول المنجمين: إنه لا يمكن رؤيته صباحا ثم مساء في يوم واحد كما قدمناه عن فتاوى شمس الرملي الشافعي. وكذا لو ثبتت رؤيته ليلا ثم زعم زاعم أنه رآه صبيحتها فإن القاضي لا يلتفت إلى كلامه. كيف وقد صرحت أئمة المذاهب الأربعة بأن الصحيح أنه لا عبرة برؤية الهلال نهارا وإنما المعتبر رؤيته ليلا، وأنه لا عبرة بقول المنجمين. ومن عجائب الدهر ما وقع في زماننا سنة أربعين بعد المائتين والألف وهو أنه ثبت رمضان تلك السنة ليلة الاثنتين التالية لتسع وعشرين من شعبان بشهادة جماعة رأوه من منارة جامع دمشق وكانت السماء متغيمة، فأثبت القاضي الشهر بشهادتهم بعد الدعوى الشرعية، فزعم بعض الشافعية أن هذا الاثبات مخالف للعقل وأنه غير صحيح، لأنه أخبره بعض الناس بأنه رأى الهلال نهار الاثنين المذكور، ثم تعاهد جماعة من أهل مذهبه على نقد هذا الحكم فلم يقدروا وأوقعوا التشكيك في قلوب العوام، ثم صاموا يوم عيد الناس وعيدوا في اليوم الثاني حتى خطأهم بعض علمائهم وأظهر لهم النقول الصريحة من مذهبهم، فاعتذر