أقول: أنت خبير بأن كثيرا من الاحكام تغيرت لتغير الأزمان، ولو اشترط في زماننا الجمع العظيم لزم أن لا يصوم الناس إلا بعد ليلتين أو ثلاث لما هو مشاهد من تكاسل الناس، بل كثيرا ما رأيناهم يشتمون من يشهد بالشهر ويؤذونه، وحينئذ فليس في شهادة الاثنين تفرد بين الجمع الغفير حتى يظهر غلط الشاهد فانتفت علة ظاهر الرواية فتعين الافتاء بالرواية الأخرى. قوله: (وصحح في الأقضية الخ) هو اسم كتاب، واعتمده في الفتاوى الصغرى أيضا وهو قول الطحاوي، وأشار إليه الإمام محمد في كتاب الاستحسان من الأصل، لكن في الخلاصة: ظاهر الرواية أنه لا فرق بين المصر وخارجه. معراج غيره.
قلت: لكن قال في النهاية عند قوله: ومن رأى هلال رمضان وحده صام الخ: وفي المبسوط وإنما يرد الامام شهادته إذا كانت السماء مصحية، وهو من أهل المصر، فأما إذ كانت متغيمة أو جاء من خارج المصر أو كان في موضع مرتفع فإنه يقبل عندنا اه.
فقوله عندنا يدل على أنه قول أئمتنا الثلاثة، وقد جزم به في المحيط وعبر عن مقابله بقيل.
ثم قال: وجه ظاهر الرواية أن الرؤية تختلف باختلاف صفو الهواء وكدرته وباختلاف انهباط المكان وارتفاعه، فإن هواء الصحراء أصفى من هواء المصر، وقد يرى الهلال من أعلى الأماكن ما لا يرى من الأسفل، فلا يكون تفرده بالرؤية خلا ف الظاهر بل على موافقة الظاهر اه. ففيه التصريح بأنه ظاهر الرواية، وهو كذلك لان المبسوط من كتب ظاهر الرواية أيضا، فقد ثبت أن كلا من الروايتين ظاهر الرواية، ثم رأيته أيضا في كافي الحاكم الذي هو جمع كلام محمد في كتبه ظاهر الرواية.
ونصه: ويقبل شهادة المسلم والمسلمة عدلا كان الشاهد أو غير عدل بعد أن يشهد أنه رأى خارج المصر أو أنه رآه في المصر وفي المصر علة تمنع العامة من التساوي في رؤيته، وإن كان ذلك في مصر ولا علة في السماء لم يقبل في ذلك إلا الجماعة اه. ويظهر لي أنه لا منافاة بينهما، لان رواية اشتراط الجمع العظيم التي عليها صحاب المتون محمولة على ما إذا كان الشاهد من المصر في مكان غير مرتفع فتكون الرواية الثانية مقيدة لاطلاق الرواية الأولى، بدليل أن الرواية الأولى علل فيها رد الشهادة بأن التفرد ظاهر في الغلط. وعلى ما في الرواية الثانية لم توجد علة الرد ولهذا قال في المحيط: فلا يكون تفرده بالرؤية خلاف الظاهر الخ. وعلى هذا فما في الخلاصة وغيرها من أنه لا فرق بين المصر وخارجه مبني على ما هو المتبادر من إطلاق الرواية الأولى، والله تعالى أعلم. قوله: (أن يدعي) بالبناء للمجهول أو للمعلوم، وفاعل ضمير المدعي المفهوم من فعله: أي بأن يدعي مدع على شخص حاضر بأن فلانا الغائب له عليك كذا من الدين وقد قال لي: إذا دخل رمضان فأنت وكيلي يقبض هذا الدين، ومثل ذلك ما لو ادعى على آخر بدين له عليه مؤجل إلى دخول رمضان فيقر بالدين وينكر الدخول، قوله. قوله: (فيقر) أي الحاضر بالدين والوكالة. واستشكله الخير الرملي بأن هذا إقرار على الغائب بقبض المدعي دينه فلا ينفذ.
وأقول: لا إشكال لان الديون تقضى بأمثالها فقد أقر بثبوت حق القبض له في ملك نفسه،