قلت: وقول علمائنا له أن يجعل ثواب عمله لغيره يدخل فيه النبي (ص)، فإنه أحق بذلك حيث أنقذنا من الضلالة، ففي ذلك نوع شكر وإسداء جميل له، والكامل قابل لزيادة الكمال، وما استدل به بعض المانعين من أنه تحصيل الحاصل لان جميع أعمال أمته في ميزانه. يجاب عنه بأنه لا مانع من ذلك، فإن الله تعالى أخبرنا بأنه صلى عليه، ثم أمرنا بالصلاة عليه، بأن نقول: اللهم صل على محمد، والله أعلم، وكذا اختلف في إطلاق قول: اجعل ذلك زيادة في شرفه (ص)، فمنع منه شيخ الاسلام البلقيني والحافظ ابن حجر لأنه لم يرد له دليل. وأجاب ابن حجر المكي في الفتاوى الحديثة بأن قوله تعالى: * (وقل رب زدني علما) * (طه: 411) وحديث مسلم: أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول في دعائه: واجعل الحياة زيادة لي في كل خير دليل على أن مقامه (ص) وكماله يقبل الزيادة في العلم والثواب وسائر المراتب والدرجات، وكذا ورد في دعاء رؤية البيت: وزد من شرفه وعظمه واعتمره تشريفا الخ، فيشمل كل الأنبياء، ويدل على أن الدعاء لهم بزيادة الشرف مندوب، وقد استعمله الامام النووي في خطبتي كتابيه الروضة والمنهاج، وسبقه إليه الحليمي وصاحبه البيهقي، وقد رد على البلقيني وابن حجر شيخ الاسلام القاياني، ووافقه صاحبه الشرف المناوي، ووافقهما أيضا صاحبهما إمام الحنفية الكمال بن الهمام، بل زاد عليهما بالمبالغة حيث جعل كل ما صح من الكيفيات الواردة في الصلاة عليه (ص) موجودا في كيفية الدعاء بزيادة الشرف، وهي: اللهم صل أبدا أفضل الصلوات على سيدنا محمد عبدك ونبيك ورسولك محمد وآله وسلم تسليما كثيرا، وزده تشريفا وتكريما، وأنزله المنزل المقرب عندك يوم القيامة اه. فانظر كيف جعل طلب هذه الزيادة من الأسباب المقتضية لفضل هذه الكيفية على غيرها من الوارد كصلاة التشهد وغيرها، وهذا تصريح من هذا الامام المحقق بفضل طلب الزيادة له (ص)، فكيف مع هذا يتوهم أن في ذلك محذورا؟ ووافقهم أيضا صاحبهم شيخ الاسلام زكريا اه. ملخصا. قوله: (ويحفر قبرا لنفسه) في بعض النسخ وبحفر قبر لنفسه على أن لفظة حفر مصدر مجرور بالباء مضاف إلى قبر أي ولا بأس به. وفي التاترخانية: لا بأس به، ويؤجر عليه، هكذا عمل عمر بن عبد العزيز والربيع بن خيثم وغيرهما اه.
قوله: (والذي ينبغي الخ) كذا قاله في شرح المنية، وقال: لان الحاجة إليه متحققة غالبا، بخلاف القبر، لقوله تعالى: * (وما تدري نفس بأي أرض تموت) * (لقمان: 43). قوله: (يكره المشي الخ) قال في الفتح:
ويكره الجلوس على القبر، ووطؤه، وحينئذ فما يصنعه من دفنت حول أقاربه خلق من وطئ تلك القبور إلى أن يصل إلى قبر قريبه مكروه، ويكره النوم عند القبر، وقضاء الحاجة، بل أولى، وكل ما لم يعهد من السنة، والمعهود منها ليس إلا زيارتها والدعاء عندها قائما اه.
قلت: وفي الاحكام عن الخلاصة وغيرها: لو وجد طريقا إن وقع في قلبه أنه محدث لا يمشي عليه وإلا فلا بأس به وفي خزانة الفتاوى وعن أبي حنيفة: لا يوطأ القبر إلا لضرورة، ويزار من بعيد ولا يقعد، وإن فعل يكره. وقال بعضهم: لا بأس بأن يطأ القبور وهو يقرأ أو يسبح أو يدعو لهم اه. وقال في الحلية: وتكره الصلاة عليه وإليه لورود النهي عن ذلك، ثم ذكر عن الامام الطحاوي أنه حمل ما ورد من النهي عن الجلوس على القبر على الجلوس لقضاء الحاجة، وأنه لا