حياة الخليفة إلا أن يأذن لهم في ذلك، فإن خافوا انتشار الامر بعده استأذنوه، فإن أذن، فعلوه، وأنه يجوز للخليفة أن ينص على من يختار خليفة بعده، كما يجوز أن يعهد إلى غيره، ثم لا يصح إلا اختيار من نص على أنه يختار، كما لا يصح إلا تقليد من عهد إليه، وأنه إذا عهد إلى غيره بالخلافة، فالعهد موقوف على قبول المعهود إليه، واختلف في وقت قبوله، فقيل: بعد موت الخليفة، والأصح أن وقته ما بين عهد الخليفة وموته، قال صاحب التتمة: وإذا امتنع المعهود إليه من القبول بويع غيره، وكأنه لا عهد، وكذا إذا جعل الامر شورى، فترك القوم الاختيار لا يجبرون عليه، وكأنه لم يجعل الامر إليهم.
قلت: ومما ذكره الماوردي في الأحكام السلطانية من هذا، أنه لو جمع شروط الإمامة اثنان، استحب لأهل العقد أن يعقدوها لأسنهما، فإن عقدوها للآخر، جاز، فإن كان أحدهما أعلم، والآخر أشجع، روعي في الاختيار ما يوجبه حكم الوقت، فإن دعت الحاجة إلى زيادة الشجاعة لظهور البغاة وأهل الفساد، كان الأشجع أحق، وإن دعت إلى زيادة العلم لسكون الفتن، وظهور البدع، كان الأعلم أحق، وأنه لو تنازعها اثنان، فقد قال بعض الفقهاء: يقدح ذلك فيهما فيعدل إلى غيرهما، والذي عليه الجمهور: أنه لا يقدح، لأن طلب الخلافة ليس مكروها، ثم هل يقرع بينهما عند التساوي، أم يقدم أهل الاختيار من شاؤوا بلا قرعة؟ فيه خلاف، وأن الخليفة إذا أراد العهد، لزمه أن يجتهد في الأصلح، فإذا ظهر له واحد، جاز أن ينفرد بعقد بيعته من غير حضور غيره، ولا مشاورة أحد، وأن المعهود إليه إذا استعفى، لم يبطل عهده حتى يعفى، فإن وجد غيره، جاز استعفاؤه، وخرج من العهد باجتماعهما، وإن لم يوجد غيره، لم يجز إعفاؤه ولا استعفاؤه، ويبقى العقد لازما. والله أعلم فصل وأما الطريق الثالث، فهو القهر والاستيلاء، فإذا مات الامام، فتصدى للإمامة من جمع شرائطها من غير استخلاف ولا بيعة، وقهر الناس بشوكته وجنوده، انعقدت خلافته لينتظم شمل المسلمين، فإن لم يكن جامعا للشرائط بأن كان فاسقا، أو جاهلا، فوجهان، أصحهما: انعقادها لما ذكرناه، وإن كان عاصيا بفعله.