في انهزامه كسر المسلمين، لم يجز الانهزام بحال، وإلا ففيه التفصيل الآتي إن شاء الله تعالى، ولم يتعرض الجمهور لذلك بل قالوا: إذا التقى الصفان، فله حالان، أحدهما: أن لا يزيد عدد الكفار على ضعف عدد المسلمين بل كانوا مثلي المسلمين أو أقل، فتحرم الهزيمة والانصراف إلا متحرفا لقتال، أو متحيزا إلى فئة، فالمتحرف: من ينصرف ليكمن في موضع، ويهجم، أو يكون في مضيق، فينصرف ليتبعه العدو إلى متسع سهل للقتال، أو يرى المصلحة في التحول إلى مضيق، أو يتحول من مقابلة الشمس والريح إلى موضع يسهل عليه القتال.
والمتحيز إلى فئة: من ينصرف على قصد أن يذهب إلى طائفة يستنجد بها في القتال، وسواء كانت تلك الطائفة قليلة أو كثيرة، قريبة أو بعيدة، وقيل: يشترط قربها، والصحيح الأول، وعلى هذا هل يلزمه تحقيق عزمه بالقتال مع الفئة المتحيز إليها؟ وجهان، أصحهما: لا، لأن العزم مرخص، فلا حجر عليه بعد ذلك، والجهاد لا يجب قضاؤه، وفي كلام الامام، أن التحيز إنما يجوز إذا استشعر المتحيز عجزا محوجا إلى الاستنجاد لضعف المسلمين، ولعل ما حكيناه عن الغزالي أخذه من هذا، ولم يشترط الأصحاب ما ذكراه وكأنهم رأوا ترك القتال والانهزام في الحال مجبورا بعزمه، وكل واحد من التحرف والتحيز يتضمن العزم على العود إلى القتال، والرخصة منوطة بعزمه، ولا يمكن مخادعة الله تعالى في العزم، هذا الذي ذكرناه من تحريم الهزيمة إلا لمتحرف أو متحيز هو في حال القدرة، أما من عجز بمرض ونحوه، أو لم يبق معه سلاح، فله الانصراف بكل حال، ويستحب أن يولي متحرفا أو متحيزا، فإن أمكنه الرمي بالأحجار، فهل تقوم مقام السلاح؟ وجهان.
قلت: أصحهما: تقوم. والله أعلم.
ولو مات فرسه وهو لا يقدر على القتال راجلا، فله الانصراف، ومن غلب على ظنه أنه إن ثبت قتل، هل له الانصراف؟ وجهان، الصحيح: المنع، ثم المتحيز إلى فئة بعيدة لا يشارك الجيش فيما يغنمونه بعد مفارقته، ولا يبطل حقه مما غنموه قبل مفارقته، هكذا نص عليه، وبمثله أجاب في المتحرف، ومنهم من أطلق بأن المتحرف يشارك، ولعله فيمن لم يبعد، ولم يغب، والنص فيما إذا تحرف، ثم انقطع عن القوم قبل أن يغنموا، وهل يشارك المتحيز إلى فئة قريبة فيما غنموه بعد