مفارقته؟ وجهان، أصحهما: نعم، لبقاء نصرته والاستنجاد به، فهو كالسرية القريبة تشارك الجيش فيما غنمه.
الحالة الثانية: إذا زاد عدد الكفار على مثلي المسلمين، جاز الانهزام، وهل يجوز انهزام مائة من أبطالنا من مائتين، وواحد من ضعفاء الكفار؟ وجهان، أصحهما: لا، لأنهم يقاومونهم لو ثبتوا، وإنما يراعى العدد عند تقارب الأوصاف، والثاني: نعم، لأن اعتبار الأوصاف يعسر، فتعلق الحكم بالعدد، ويجري الوجهان في عكسه، وهو فرار مائة من ضعفائنا من مائة وتسعة وتسعين من ضعفائهم، فإن اعتبرنا العدد، لم يجز، وإن اعتبرنا المعنى، جاز، وإذا جاز الفرار، نظر إن غلب على ظنهم أنهم إن ثبتوا ظفروا، استحب الثبات، وإن غلب على ظنهم الهلاك، ففي وجوب الفرار وجهان، وقال الامام: إن كان في الثبات الهلاك المحض من غير نكاية، وجب الفرار قطعا، وإن كان فيه نكاية فوجهان.
قلت: هذا الذي قاله الامام هو الحق، وأصح الوجهين، أنه لا يجب، لكن يستحب. والله أعلم.
فرع لقي مسلم مشركين، إن طلباه، فله الفرار، وإن طلبهما ولم يطلباه، فهل له أن يولي بعد ذلك؟ وجهان، أصحهما: نعم، لأن فرض الجهاد والثبات إنما هو في الجماعة، ولو ولى النساء، لم يأثمن، فلسن من أهل فرض الجهاد، نص عليه، كما لا إثم على صبي ومغلوب على عقله إذا وليا، ويأثم السكران، ولو قصد الكفار بلدا، فتحصن أهله إلى أن يجدوا قوة ومددا، لم يأثموا، إنما الاثم على من ولى بعد اللقاء.
قلت: قال صاحبا " الحاوي " والبحر: تجوز الهزيمة من أكثر من المثلين، وإن كان المسلمون فرسانا والكفار رجالة، وتحرم الهزيمة من المثلين وإن كان المسلمون رجالة والكفار فرسانا، وهذا الذي قالاه فيه نظر، ويمكن تخريجه على الوجهين السابقين في أن الاعتبار بالمعنى أم بالعدد. والله أعلم.