وأما اليوم فهو ضربان، أحدهما: أن يكون الكفار مستقرين في بلدانهم، فهو فرض كفاية، فإن امتنع الجميع منه، أثموا، وهل يعمهم الاثم، أم يختص بالذين يدنوا إليه؟ وجهان.
قلت: الأصح أنه يأثم كل من لا عذر له كما سيأتي بيان الاعذار إن شاء الله تعالى. والله أعلم.
وإن قام من فيه كفاية، سقط عن الباقين. وتحصل الكفاية بشيئين.
أحدهما: أن يشحن الامام الثغور بجماعة يكافئون من بإزائهم من الكفار، وينبغي أن يحتاط بإحكام الحصون وحفر الخنادق ونحوهما، ويرتب في كل ناحية أميرا كافيا يقلده الجهاد وأمور المسلمين.
الثاني: أن يدخل الامام دار الكفر غازيا بنفسه، أو بجيش يؤمر عليهم من يصلح لذلك، وأقله مرة واحدة في كل سنة، فإن زاد فهو أفضل، ويستحب أن يبدأ بقتال من يلي دار الاسلام من الكفار، فإن كان الخوف من الأبعدين أكثر، بدأ بهم، ولا يجوز إخلاء سنة عن جهاد إلا لضرورة، بأن يكون في المسلمين ضعف وفي العدو كثرة، ويخاف من ابتدائهم الاستئصال، أو لعذر بأن يعز الزاد وعلف الدواب في الطريق، فيؤخر إلى زوال ذلك، أو ينتظر لحاق مدد، أو يتوقع إسلام قوم، فيستميلهم بترك القتال، هذا ما نصر عليه الشافعي، وجرى عليه الأصحاب رحمهم الله، وقال الامام: المختار عندي في هذا مسلك الأصوليين، فإنهم قالوا: الجهاد دعوة قهرية، فيجب إقامته بحسب الامكان حتى لا يبقى إلا مسلم أو مسالم، ولا يختص بمرة في السنة، ولا يعطل إذا أمكنت الزيادة، وما ذكره الفقهاء حملوه على العادة الغالبة، وهي أن الأموال والعدد لا تتأتى لتجهيز الجنود في السنة أكثر من مرة، ثم إن تمكن الامام من بث الأجناد للجهاد في جميع الأطراف، فعل، وإلا فيبدأ بالأهم فالأهم، وينبغي له أن يرعى النصفة بالمناوبة بين الأجناد في الاغزاء، ويسقط الوجوب في هذا الضرب بأعذار.
منها: الصغر والجنون والأنوثة، وللامام أن يأذن للمراهقين والنساء في الخروج، وأن يستصحبهم لسقي الماء ومداواة المرضى ومعالجة الجرحى، ولا يأذن للمجانين بحال، ولا جهاد على الخنثى.