قال المصنف رحمه الله تعالى:
(فصل) ويجب على الامام منع من يقصدهم من المسلمين ومن معهم من أهل الذمة، لان الهدنة عقدت على الكف عنهم، ولا يجب عليه منع من قصدهم من أهل الحرب ولا منع بعضهم من بعض لان الهدنة لم تعقد على حفظهم وإنما عقدت على تركهم، بخلاف أهل الذمة فإن أهل الذمة عقدت على حفظهم فوجب منع كل من يقصدهم، ويجب على المسلمين ومن معهم من أهل الذمة ضمان أنفسهم وأموالهم والتعزير بقذفهم، لان الهدنة تقتضي الكف عن أنفسهم وأموالهم وأعراضهم فوجب ضمان ما يجب في ذلك.
(فصل) إذا جاءت منهم حرة بالغة عاقلة مسلمة مهاجرة إلى بلد فيه الامام أو نائب عنه ولها زوج مقيم على الشرك وقد دخل بها وسلم إليها مهرا حلالا، فجاء زوجها في طلبها فهل يجب رد ما سلم إليها من المهر؟ فيه قولان (أحدهما) يجب لقوله تعالى عز وجل (فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن وآتوهم ما أنفقوا) ولان البضع مقوم حيل بينه وبين مالكه فوجب رد بدله، كما لو أخذ منهم مالا وتعذر رده والقول الثاني وهو الصحيح، وهو اختيار المزني أنه لا يجب، لان البضع ليس بمال والأمان لا يدخل فيه الا المال، ولهذا لو أمن مشركا لم تدخل امرأته في الأمان ولأنه لو ضمن البضع الحيلولة لضمن بمهر المثل كما يضمن المال عند تعذر الرد بالمثل بقيمته، ولا خلاف أنه لا يضمن البضع بمهر المثل فلم يضمن بالمسمى، وأما الآية فإنها نزلت في صلح رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية قبل تحريم رد النساء، وقد منع الله تعالى من ذلك بقوله تعالى (فلا ترجعوهن إلى الكفار) فسقط ضمان المهر.
فإن قلنا لا يجب رد المهر فلا تفريع، وان قلنا إنه يجب وعليه التفريع وجب ذلك في خمس الخمس، لأنه مال يجب على سبيل المصلحة فوجب في خمس الخمس، وان لم يكن قد دفع إليها المهر لم يجب له المهر، لقوله تعالى (وآتوهم ما انفقوا) وهذا لم ينفق .