قال الجهاد في سبيل الله، فدل على أن بر الوالدين مقدم على الجهاد، ولان الجهاد فرض على الكفاية ينوب عنه فيه غيره، وبر الوالدين فرض يتعين عليه لأنه لا ينوب عنه فيه غيره، ولهذا قال رجل لابن عباس رضي الله عنه إني نذرت أن أغزوا الروم وأن أبوي منعاني، فقال أطع أبويك فإن الروم ستجد من يغزوها غيرك. وإن لم يكن له أبوان وله جدا أو جدة لم يجز أن يجاهد من غير إذنهما، لأنهما كالأبوين في البر، وإن كان له أب وجد أو أم وحدة فهل يلزمه استئذان الأب مع الجد أو استئذان الجدة مع الام فيه وجهان (أحدهما) لا يلزمه لان الأب والام يحجبان الجد وللجدة عن الولاية والحضانة (والثاني) يلزمه وهو الصحيح عندي لان وجود الأبوين لا يسقط بر الحدين ولا ينقص شفقتهما عليه.
وإن كان الأبوان كافرين جاز أن يجاهد من غير إذنهما لأنهما متهمان في الدين، وإن كانا مملوكين فقد قال بعض أصحابنا أنه يجاهد من غير اذنهما لأنه لا إذن لهما في أنفسهما فلم يعتبر اذنهما لغيرهما قال الشيخ الامام وعندي أنه لا يجوز أن يجاهد الا بإذنهما، لان المملوك كالحر في البر والشفقة فكان كالحر في اعتبار الاذن. وان أراد الولد أن يسافر في تجارة أو طلب علم جاز من غير اذن الأبوين لان الغالب في سفره السلامة (فصل) وان أذن الغريم لغريمه أو الوالد لولده ثم رجعا أو كانا كافرين فأسلما، فإن كان ذلك قبل التقاء الزحفين لم يجز الخروج الا بالاذن، وإن كان بعد التقاء الزحفين ففيه قولان أحدهما أنه لا يجوز أن يجاهد الا بالاذن لأنه عذر يمنع وجوب الجهاد فإذا طرا منع من الوجوب كالعمى والمرض والثاني أنه يجاهد من غير اذن، لأنه اجتمع حقان متعينان وتعين الجهاد سابق فقدم، وان أحاط العدو بهم تعين فرض الجهاد وجاز من غير اذن الغريم ومن غير اذن الأبوين، لان ترك الجهاد في هذه الحالة يؤدى إلى الهلاك فقدم على حق الغريم والأبوين.