ونزلوا بحروراء وأرادوا قتاله، فأرسل إليهم عبد الله بن عباس يسألهم ما ينقمون منه؟ قالوا ثلاث، فقال ابن عباس ان رفعتها رجعتم؟ قالوا نعم. قال وما هي؟
قالوا حكم في دين الله ولا حكم الا لله، وقتل ولم يسب، فإنه ان حل لنا قتلهم حل لنا سبيهم، ومحا اسمه من الخلافة فقد عزل نفسه من الخلافة يعنون اليوم الذي كتب الكتاب بينه وبين أهل الشام، فكتب فيه: أمير المؤمنين فقالوا لو أقررنا بأنك أمير المؤمنين ما قاتلناك، فمحاه من الكتاب، فقال ابن عباس أما قولكم انه حكم في الدين فقد حكم الله في الدين فقال تعالى (فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها) فحكم الله بين الزوجين، وقال الله تعالى (فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم) فحكم الله في أرنب قيمتها درهم، أفلا يجوز أن يحكم في هذا الامر العظيم بين المسلمين.
وأما قولكم أنه قتل ولم يسب، فأيكم كان يأخذ عائشة عليها السلام في سهمه وقد قال تعالى (وأزواجه أمهاتهم) وإذا ثبت أن سبى عائشة لا يجوز كان غيرها من النساء مثلها وأما قولكم انه محا اسمه من الخلافة فقد عزل نفسه فغلط، لان النبي صلى الله عليه وسلم محا اسمه من النبوة، وذلك أنه لما قاضى سهيل بن عمرو يم الحديبية كتب الكتاب هذا ما قاضي عليه محمد رسول الله سهيل بن عمرو، فقال لو اعترفنا بأنك رسول الله لما احتجت إلى كتاب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أين رسول الله؟ فأراه إياه فمحاه للكاتب، وكان علي بن أبي طالب أبى أن يمحوه حين أمره، فرجع منهم أربعة آلاف وقاتل الباقين (فرع) وإذا أراد الامام أن يقتلهم فسألوه أن ينظرهم نظرت، فإن سألوه أن ينظرهم أبدا لم يجز له ذلك، لأنه لا يجوز لبعض المسلمين ترك طاعة الامام وان سألهم أن ينظرهم مدة، فاختلف أصحابنا فيه، فقال الشيخ أبو إسحاق ان سألوه أن ينظرهم يوما أو يومين أو ثلاثا أنظرهم، لان ذلك مدة قريبة ولعلهم يرجعون إلى الطاعة. وان طلبوا أكثر من ذلك بحث فيه الامام فإن كان قصدهم الاجتماع على الطاعة أنظرهم، وإن كان قصدهم الاجتماع على القتال لم ينظرهم لما في ذلك من الاضرار.