والكفارة في ماله، وأما المكره المأمور فهل يجب عليه القود؟ فيه قولان (أحدهما) لا يجب عليه القود، وهو قول أبي حنيفة لقوله صلى الله عليه وسلم " رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " ولأنه قتله لاستبقاء نفسه فلم يجب عليه القود كما لو قصد رجل نفسه فلم يمكنه دفعه إلا بقتله (والثاني) يجب عليه القود، وبه قال مالك وأحمد رضي الله عنهما وهو الأصح لقوله صلى الله عليه وسلم " فمن قتل بعمده قتيلا فأهله بين خيرتين إن أحبوا اقتلوا وإن أحبوا أخذوا الدية " وهذا قاتل، ولأنه قصد قتل من يكافئه لاستبقاء نفسه فوجب عليه القود كما لو جاع وقتله ليأكله، ولأنه لو كان رجلا في مضيق أو بيت فدخل عليهما أسد أو سبع فدفع أحدهما صاحبه إليه خوفا على نفسه فأكله السبع أو الأسد لوجب القصاص على الدافع، وكذلك لو كان جماعة في البحر فخافوا الغرق فدفعوا واحدا منهم في البحر لتخف السفينة وغرق ومات وجب عليهم القود، وإن كان ذلك لاستبقاء أنفسهم. وكذلك هذا مثله.
فإذا قلنا يجب على المأمور القود كان الولي بالخيار بين أن يقتل المكره والمكره وبين أن يعفو عنهما ويأخذ منهما الدية. وإن قلنا لا يجب على المأمور المكره القود فعليه نصف الدية لأنه قد باشر القتل، ويجب على كل واحد منهما كفارة على القولين معا.
هذا نقل أصحابنا البغداديين. وقال الخراسانيون إذا قلنا لا يجب على المأمور القود فهل يجب عليه نصف الدية؟ فيه وجهان. فإن قلنا عليه نصف الدية كان عليه الكفارة وإن قلنا لا تجب عليه وعليه نصف الدية فهل تجب عليه الكفارة فيه وجهان.
إذا ثبت هذا فإنه لا فرق بين الامام وبين النائب عنه في ذلك، لان طاعته تجب كما يجب طاعة الامام، وكذلك إذا تغلب رجل على بلد أو إقليم بتأويل.
وادعى أنه الامام كالامام الذي نصبه الخوارج، فحكمه حكم الامام في ذلك، لان الشافعي رضي الله عنه لا يرد من أفعاله الا ما يرد من أفعال امام العدل وكذلك قاضيهم، فإذا ثغلت رجل على بلد بغير تأويل بل باللصوص وأمر رجلا بقتل رجل بغير حق، أو أمره رجل من الرعية بقتل رجل بغير حق فإن لم يكرهه