وإن قامت البينة أنه كان يقتل غالبا أو اعترف الساقي بذلك إلا أنه أدعى أنه لم يعلم أنه يقتل غالبا وقت السقي، فهل يجب عليه القود؟ فيه قولان (أحدهما) لا يجب عليه القود لان ما ادعاه محتمل، وذلك شبهة توجب سقوط القود عنه.
(والثاني) يجب عليه لأنه قتله بما يقتل غالبا فلا يصدق في دعواه كما لو جرحه وان خلط السم بطعام أو شراب وأكرهه فأوقره في حلقه فمات، فإن كان الطعام أو الشراب قد كسر حدة السم تلقائيا، فإن لم يكرهه على ذلك وإنما ناوله إياه فشربه، نظرت فإن كان الشارب صبيا لا يميز أو كبيرا مجنونا أو أعجميا يعتقد وجوب طاعة الامر، فعلى الرافع إليه الضمان، لأنه كالآلة حيث اعتقد طاعته فيه، وإن كان عاقلا مميزا فلا ضمان على الرافع لأنه قتل نفسه باختياره وتفريطه وان خلطه به ولم يكسر الطعام حدة السم فأكله انسان ومات نظرت - فإن كان الطعام الذي خلط فيه السم وقدمه إلى إنسان وقال كله فأكله، فهل يجب عليه القود؟ فيه قولان:
(أحدهما) يجب على القود لما روى أبي هريرة " أن يهودية بخيبر أهدت للنبي صلى الله عليه وسلم شاة مصلية فأكل منها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنه م، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: ارفعوا أيديكم فإن هذه الذراع تخبرني أن بها سما، فأرسل إلى اليهودية وقال: ما حملك على ما صنعت؟ فقالت: قلت إن كنت نبيا لم يضرك الذي صنعت، وان كنت ملكا أرحت الناس منك، فأكل منها بشر بن البراء بن مغرور فمات، فأرسل الني صلى الله عليه وسلم إلى اليهودية فقتلها، فقال صلى الله عليه وسلم ما زالت أكلة خبير تعاودني، فهذا أو أن قطعت أبهري " ولان العادة جرت أن من قدم إليه طعام فإنه يأكل منه، فصار كأنه ألجأه إلى أكله فوجب عليه القود، كما لو أكرهه عليه (والثاني) لا يجب عليه القود لأنه أكله باختياره، فصار كما لو قتل نفسه بسكين، فإذا قلنا بهذا فهل تجب عليه الدية؟ اختلف أصحابنا فيه، فقال القاضي أبو الطيب فيه قولان، أحدهما لا يجب عليه الدية لأنه هو الجاني على نفسه.
والثاني تجب عليه الدية لان التلف حصل بسبب منه فصار كما لو حفر بئرا في