فقد كانت تنهال عليه مناقشات العلماء والمجتهدين فيما أفتى به وذهب إليه فكان (رضي الله عنه) ينظر فيها ويبحثها معهم، فإن لم يقتنع بها ردها، وإن رآها سديدة قبلها برحابة صدر، وغير فتواه (1).
وهذا النوع من الدفاع وإن كان صحيحا إجمالا ولا يختص هذا بالعلامة وعصره، فإن تغيير الفتاوى لأجل مناقشات المعاصرين ليس أمرا جديدا، لكن تبرير هذا النوع من الاختلاف الشاسع عن هذا الطريق غير كاف، إذ لو كان هذا هو السبب الرئيسي لأشار إليه العلامة في طيات كتبه، وانه رجع عما كان يراه فيما سبق لأجل هذه المناقشة، ولكن صياغة كتبه تأبى عن ذلك التبرير فيجب التماس وجه آخر.
وهو ان العلامة الحلي قد عاش في عصر ازدهرت فيه عملية التخريج والتفريع، وكانت له صلة وثيقة بفقهاء كلا الفريقين طوال ستين سنة، وكان ذا ذكاء خارق وذهن ثاقب، وآية في الدقة والتحقيق، فمثل هذا الفقيه الذي هو في خضم الاحتكاكات الفقهية من جانب وكثرة أسفاره ولقائه بعلماء كلا الفريقين أتاح له الفرصة في خلق أفكار فقهية جديدة حسب ما يوحي إليه فهمه الخلاق، وليس هذا بعزيز.
فهذا هو محمد بن إدريس الشافعي (150 - 204 ه) قد خلف فتاوى قديمة وفتاوى جديدة، فلما غادر من الحجاز إلى العراق ومكث فيه سنين طوال كانت له آراء، فلما هبط مصر بدت له فتاوى أخرى غير تلك الفتاوى القديمة، وصارت معروفة بالفتاوى الجديدة.
فمثير هذه الشبه انطلق من جمود فكري وعدم معرفة كاملة بواقع الفقه، ولو